Translated Short Story
اتحاد العمّال يدفن رجله المتوفّى
قصة قصيرة بقلم : هنرى لوســون *
ترجـــمـة : يوسف عبد العزيز على
فى الطريق إلى المقبرة مررنا بثلاثة من جزّازى الغنم جالسين فى الجانب الظليل من
السور ، كان أحدهم ثملاً للغاية ، أما الاثنان الآخران فقد أمالا قبّعتيهما ناحية
اليمين كنوع من الاحترام للمتوفىَ أيّاً من كان هو ، وركل أحدهما ثالثهما السكران
وغمغم له ببعض الكلمات فعدّل الأخير من جلسته وحملق حوله ، وبالكاد تناول قبّعته
ووضعها بلا اهتمام على نصف رأسه ثم غطىَ بها رأسه كلها . ثم بذل جهداً كبيراً لكى
يستجمع قواه ، حتى وقف مستنداً على السور ، وخلع قبّعته وألقى بها تحت قدمه كنوع
من تأنيب الضمير ، ليجعلها بعيدةً عن رأسه حتى تمرّ الجنازة .
مرَّ بجانبى راعٍ طويل القامة ، بدا أنه ذو حسّ مرهف فقد كان يردّد عابساً أبياتاً
شعرية لـ " بيرون " تلائم هذا الموقف ، وسأل بروحٍ متعاطفةٍ عمّا إذا
كنّا نعرف أن بطاقة الرجل المتوفّىَ قد أمكن التعرّف عليها هناك . لقد كانت بطاقةً
تخصّ اتّحاد العمّال العام ، وغالب الظنّ أنه سيتمّ التعرّف عليها . وعى الفور قال
صديقى : " أتتذكّر عندما كنّا فى الزورق أمس ؟ لقد رأينا رجلاً يقود بعض
الخيل بجانب الشاطئ ؟ ".
أجبت
: " نعم " ، فأومأ برأسه نحو النعش وقال : " إنه هو !
" . تأمّلتُ للحظةٍ ثم قلت : " أنا لم أعطه أىّ اهتمام غير عادىّ ! لقد
قال شيئاً ما ، أليس كذلك ؟ " . ردّ صديقى : " قال إنه يومٌ جميل "
. كنتَ ستهتم كثيراً لو أنك عرفت أنه قد حُكِمَ عليه بالموت ساعتها . وأنّ هذه
الكلمات هى آخر كلمات يقولها لإنسان فى هذه الدنيا ! " . فأضاف صوتٌ قوىٌّ
كان يأتى من الخلف : " تأكّدوا لو أنكم تعرفون ذلك لأطلتم الحديث معه "
. تمهّلنا فى مشينا عبر خطّ السكّة الحديديّة وطوال الطريق الترابىّ الحارّ
المؤدّى إلى المقابر . وراح بعضنا يتحدّث عن الواقعة ، غير مبالين بأساليب النجاة
المستحيلة التى اقترحها كلٌّ منّا .. وفى الحال قال واحد : " هناك شخصٌ ما .
انظروا ! " . ومددتُ بصرى فرأيتُ قسّيساً يقف فى ظلّ شجرةٍ بجوار بوّابة
المقابر .
أُوقِفَت العربةُ التى تُقِلُّ النعشَ ، وفُتحت جوانبها الخلفيّة ، وأخرج أربعة من
الرجال التابوت ووضعوه على حافّة القبر . وقف القسّيس ، الذى كان شابّاً هادئ
الملامح شاحب الوجه ، تحت ظلّ شجيرةٍ نابتةٍ بجوار القبر ، ثم خلع قبّعته ورماها
بإهمال على الأرض ، وشرع فى مباشرة عمله .
عندما
رُشَّت المياه المقدّسة على التابوت ، لاحظتُ أنَّ واحداً أو اثنين من الوثنيّين
انتفضا فى مكانهما . تبخّرت قطرات المياه بسرعة ، وامتلأت النقط الداكنة التى
خلّفتها بالتراب فى الحال ، ممّا أظهر مدىَ رخص ورثاثة القماش الذى غُطِّىَ به
التابوت . فقد كان لونه أسود من قبل ، وأصبح الآن رماديّاً قاتماً .
هنا فقط من الممكن أن يحوّلَ جهلُ الإنسان وغروره الجنازة إلى حكاية مضحكة . فإن
أحد أصحاب الحانات ، والذى كان ضخم الجثّة غليظ الرقبة ، ذا وجه تملؤه البثور
وملامح بليدة . وكانت تعبيراته فجّة وسوقيّة . المهمّ أنّ هذا الرجلَ التقط قبّعة
القسّيس من على الأرض وأمسك بها على مسافة بوصتين فوق رأس القسّيس طوال إقامة
القدّاس . كان القسّيس ـ لو تذكّرنا ـ واقفاً فى الظلّ ، وكان عدد من الناس يضعون
قبّعاتهم فوق رؤوسهم ثم يخلعونها بضجر . ، فى صراعٍ بين مقتهم للأحياء
وتقديرهم للموتى . كان لقبّعة القسّيس القشّيّة قمّةٌ مخروطية الشكل ، وجوانب
منحدرة كلّها لأسفل كالمظلّة ، وكان صاحب الحانة يمسكها بقبضة يده الضخمة من
قمّتها . فى الواقع بدا أنّ القسّيس لم يلحظ كلّ ذلك الذى يحدث . ولو أنّ قسّيساً
أو كاهناً أكبر وأكثر خبرةً منه فى مكانه لقال : " ضع القبّعة جانباً
يا صديقى . ألا تستحقّ ذكرى أخينا المتوفَّىَ الاهتمام بها أكثر من الاهتمام
بهيئتى ؟! " . ولو أنّ شخصاً آخر من عامّة الناس كان مكانه لقال ذلك بلهجةٍ
أكثر حدّة وصرامة ، ولا تقلّ عن تلك . ولكن بدا أن القسّيس لم يكن على وعىٍ بكل ما
يجرى حوله ، علاوة على ذلك فإنّ صاحب الحانة لفرط جهله وغروره لم يكن ليفوِّت على
نفسه هذه الفرصة لتأكيد إخلاصه وتعظيمه لكنيسته التى هو عضوٌ مهمٌّ فيها .
يبدو أنّ القبر كان ضيّقاً جدّاً عن التابوت ، وأخيراً تنفّستُ الصعداءَ عندما
انزلق التابوتُ بسهولةٍ إلى أسفل القبر . وقد رأيتُ ذات مرّةٍ تابوتاً التصق
بحوافّ القبر فى مدافن " روكوود " . وكان يلزم عندئذٍ أن يُجذبَ للخارج
بشدّة ويُوضَعَ على أكوام الطين تحت أقدام الأقارب الحزانىَ ، والذين أخذوا يبكون
وينوحون بصورةٍ تقبض القلب ، بينما كان الحفّارون يوسّعون القبر . لم يكن
حفّارُنا هنا غليظ القلب تماماً ، وكنوع من الاحترام لمشاعر الآخرين الإنسانيّة ،
قام بكشط بعض التربة الجافّة الناعمة وأقىَ بها داخل القبر لكى تخفّف من حدّة سقوط
الكتل الطينيّة النازلة على التابوت . كما حاول أن يسوّىِ عبوّات الجاروف الأولىَ
بلطفٍ داخل القبر بظهر الجاروف المتجّه للخارج . ولكن كتل طمى نهر "
دارلنج " الصلبة ظلّت ترتدُّ بعد ارتطامها بالتابوت وتقرقع كلُّها . لم يهمّ
ذلك الأمر كثيراً ، فلم يحدث شئٌ . ولم يكن سقوط الكتل الطينيّة على تابوت الميّت
الغريب هذا ، يحدث صوتاً مختلفاً عن صوت سقوطه على أىّ صندوقٍ خشبىٍّ آخر . على
الأقلّ لم ألحظ أىّ شئٍ مرعبٍ أو غير عادىّ فى هذا الصوت . لكن ربّما يتأثّر واحدٌ
أكثر حساسية منّا بهذا ، فيُذكّره بدفن ميّتٍ حدث منذ زمان ، وكان هذا الميّتُ أحد
أقربائه ، عندما كانت كلّ قطعة طينٍ تنزلُ داخل القبر كأنها تضربُ قلبه ..
لقد تمّ الدفن فى ساعة الظهيرة . كان اسم " البشمان " (2)
المتوفّى " جيم " على ما يبدو . لكنّهم لم يجدوا أىّ صورٍ شخصيّة
فى خرجه ، ولا حتّى أىّ شئٍ يشير إلى أمّه ، إنما وجدوا بعض الأوراق التى
تتعلّق بأمور الاتّحاد فقط . وكان معظمنا لا يعرف الاسم إلى أن رأيناه مكتوباً على
التابوت ، فقد كنّا ندعوه بقولنا : " ذلك الفتىَ المسكين الذى غرق فى
نهر " دارلنج " أمس " .
قال
الراعى ، الذى تعرّفتُ عليه ، وهو ينظر إلى التابوت : " إذن اسمه
" جيمس تايسون " ؟!
فسألتُهُ
: " لماذا ؟ ألم تكن تعرف ذلك من قبل ؟ "
ردّ
قائلاً : " لا . لكنّى كنتُ أعرف أنه عضوٌ فى الاتّحاد " .
لقد
اتّضح بعد ذلك أن " جيمس تايسون " ليس اسمه الحقيقىّ ، ولكنّه الاسم
الذى دفن به . على كلّ حال فقد دفن به . ومعظم الصحف الأستراليّة الكبرى قد ذكرت
فى أعمدتها الموجزة أنّ شاباً يدعىَ " جيمس جون تايسون " قد مات غرقاً
فى نهر " دارلنج " الأحد الماضى .
وقد
عرفنا فيما بعد ماذا كان اسمه الحقيقىّ . لكن لو أنّنا صادفنا ذات مرّة وقرأناه فى
عمود الأصدقاء المفتقدين بالصحف ، فإنه لن يمكننا تقديم أىّ معلومات وافية عنه
لأمّه المسكينة أو أخته أو زوجته أو أىّ أحد يمكن أن يُعلمهم بشئ يخصّه . لأنّنا
ببساطة سوف نكون قد نسينا الاسم بالفعل !
*
* *
تأليف
: هنرى لوســـون
ترجمة
: يوسف عبد العزيز على
أسوان
25 / 7 / 1994 م
نشرت هذه القصة فى مجلة " البحرين الثقافية "
، العدد الثامن ، أبريل 1996
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
الخرج : وعاء من شعر أو جلد ، ذو جانبين ، يحمل على ظهر الدابّة لوضع الأمتعة فيه
.
(2)
البشمان : كلمة تطلق على أحد سكان أستراليا أو إفريقيا الأصليّين الذين يعيشون فى
الأدغال على الصيد .
يــوماً ما
قصة قصيرة بقلم : هنرى لوســون
ترجـــمـة : يوسف عبد العزيز على
ظلّ المسافران يتحدّثان حتى وقت متأخّر من الليل فى المكان الذى استقرّا فيه . كان
القمر آخذاً فى النزول شيئاً فشيئاً خلال المدى المترامى ، وكان رفيق "
ميتشيل " قد انتهى لتوّه من سرد حكايته المكشوفة إلى حدٍّ ما ، ولكن بدا أنها
لم تَرُقْ " ميتشيل " الذى كان فى حالة نفسيّة لا تسمح بذلك .
أخذ
" ميتشيل " عدّة أنفاسٍ من غليونه ، ثم تأمّل لحظة وقال : " منذ
سنين كنتُ مغرماً جدّاً بفتاة كانت تأتى إلى منزلنا لزيارة أختى ، كانت أجمل فتاة
فى الدنيا ، كان عمرها ثمانية عشر عاماً ، وطولها لا يصل إلى مستوى كتفى ، عيناها
الزرقاوان أوسع عيون رأيتها فى حياتى ، وشعرها بُنّى لامع يصل إلى رُكبتيها ،
وكثيف جدّاً بحيث لا يمكن أن تقيس عرضه بِكِلْتَى يديك ، أما بشرتها فكانت تشبه
الزنابق والورود .
بالطبع لم أتصوّر أنها ستنظر إلى شخص وحشىٍّ جاهل وقبيح مثلى ، لذلك اعتدت أن
أبتعد عن طريقها كلما جاءت ، وأتصرّف معها بنوعٍ من الفتور . لم أُرِدْ أن يعرف
الآخرون أننى أحبّها ، لأننى كنتُ أُوقن أنهم سيسخرون منِّى ، وربّما تسخر هى منّى
أكثر من الجميع .. كانت تأتى وتتحدّث إلىّ ، وتجلس بالقرب منّى على المائدة ،
لكنّى كنتُ أعتقد أنها تفعل ذلك من منطلق طيبتها ، وأنها تشفق علىَّ فقط ، لأننى
ذلك الشابّ المعقّد الجافّ . حقيقةً لقد هِمْتُ بهذه الفتاة ، وبلا مزاح : كنتُ
أشعر بالاعتزاز كثيراً عندما أتذكّر أنها ريفيّة مثلى ، لكنّنى لم أدعْها تعرف ذلك
، لأننى كنتُ أشعر أنها ستسخر منّى بالتأكيد .
على
كلٍّ مَضَت الأمور فى مجراها ، إلى أن حصلتُ على عرضٍ للعمل لمدّة عامين أو ثلاثة
فى محطّة قريبة من الحدود . وكان علىّ أن أذهب لأننى كنت فى حاجة إلى المال ، إلى
جانب أننى أردت أن أبتعد لأن رؤيتها لم تكن سوى زيادة فى أحزانى .
وفى
الليلة التى غادرتُ فيها ، جاء الجميع إلى محطّة السكّة الحديديّة لكى
يودّعونى ؛ بما فيهم الفتاة التى أحببتُها . وعندما كان القطار على أُهبة الانطلاق
، رأيتها تقف بمفردها بعيداً فى الجانب المظلم من الرصيف . ظلّتْ أختى
تَكِزُنِى بمرفقها ، وتعابثنى ، ولكنّنى لم أفهم ما كانت تقصده ، وفى
النهاية قالت : " اذهب و كلّمها أيها الأحمق ، اذهب وسلّم على { إيدى }
" .
لذلك ذهبت إلى حيث كانت تقف ، وعندما أدار الآخرون ظهورهم ، قلت مادّاً يدى "
إلى اللقاء يا آنسة { براون } ، لا أظنّ أننى سأراكِ مرّةً أخرى ، اللهُ وحده يعلم
متى سأعود ، أشكرك على مجيئك لوداعى " . عندئذٍ أدارت وجهها ناحية النور ،
فرأيتها تبكى ، وجسمها يرتجف ، وفجأة أخذت تصيح : " جاك ! جاك ! " ،
ومدّتْ ذراعيها هكذا " . ثمّ مدّ ذراعيه فيما يشبه العناق .
كان " ميتشيل " يتحدّث بنبرة كأنها ليست صادرة منه ، كان رفيقه يتطلّع
إلى وجهه المهيب ، وعينيه الشاخصتين إلى النار المشتعلة فى كومة الحطب ..
سأله رفيقه : " أظنّكَ عانقتَها وقبّلتَها بحرارة فى تلك اللحظة ؟! "
ردّ
" ميتشيل " باقتضاب : " أظنّ ذلك " . ثم إنّ هناك بعض الأمور
التى قد لا يريد الإنسان أن يمزح فيها . لا بأس . أرى أن ندفع بأحد الأكواز (1) فى
النار ، ونتناول كوبين من الشاى قبل أن ننام " .
وبينما
هما يشربان الشاى ، قال رفيق " ميتشيل " : " أعتقد أنك ستعود
وتتزوّجها يوماً ما " . ردّ " ميتشيل " : " يوماً ما
! فعلاً ! يبدو أنه كذلك . أليس كذلك ؟! . كلّنا نقول " يوماً ما
! " " .كلمة اعتدت أن أقولها منذ عشر سنين ، ولتنظر إلى حالى الآن
. ظللتُ أضرب فى الأرض خمس سنين ، وفى السنتين الأخيرتين صرتُ مقيّداً
بالعمل على الطريق ، ولا أمل فى ترك هذا العمل ، إلاّ بالذهاب إلى الأفضل منه ،
وماذا بيدى كى أحصل على العمل الجيّد ؟ من الصعب أن أعود إلى البيت وأتزوّج
بدون قرشٍ فى جيبى أو ملابس جديدة ، و لا حيلة فى الحصول على ذلك كما تعلم . لقد
أقسمتُ ألاّ أعود إلى البيت بدون مال ، وما عدا ذلك فلا . ولكن أين هى أيام المال
؟ لقد أصبحت فى عداد الذكريات .
انظر
إلى ذلك الحذاء ! لو تجوّلنا فى المدينة لقيل إننا متشرّدون ومتسوّلون ، وما الفرق
؟ ! أعرف أننى كنت غبيّاً فى اختياره ، لكنّى دفعتُ فيه ثمناً ، عموماً .. لم يبقَ
للمرء سوى أن يتسكّع ويتسوّل به من أجل أن يشترى أحسن الملابس ، ويظلّ يتسوّل حتى
تكبر سنُّه ، ويصبح مهملاً وقذراً ، ثم يشيخ ويصبح أكثر إهمالاً وقذارة ،
ويعتاد على التراب والرمال ، والحرّ والذباب والبعوض ، تماماً مثلما يفعل أىّ
ثَوْرٍ ، ثم يفقد الطموح والأمل ، ويقنع بمثل هذه الحياة الحيوانيّة ككلب ، وحتى
يصبح خُرجُه (2) جزءاً منه ، ويحسّ بأنه تائه ومضطرب وخفيف الأكتاف بدونه ، ولا
يبالى إذا كان سيجد عملاً آخرَ أم لا ! أو حتى يعيش كآدمىّ ، ويبقى فى هذه
الحال حتى تحلّ روح الحيوان محلّ روح الإنسان فيه .. تُرَىَ من يهتمّ به عندئذ ؟!
لو
أننا لم نجد عملاً على الطريق أمس ، ربّما كنّا مِتْنا وتعفّنّا فى هذا القفر ..
من يدرى ؟ وربّما يجدنا أحد فى النهاية ، لكن قد يكون الأمر غير مُجْدٍ
عندئذ أن يترك شؤونه ويذهب للإبلاغ عنّا .. اللعنة ! " وأخذ ميتشيل يدخّن
للحظات فى صمتٍ موحشٍ كئيب ، ثم أفرغ غليونه من الرماد ، وتنهّد قائلاً : "
على كُلٍّ ، أنا متعكّر المزاج قليلاً الليلة ، أعتقد أنه من الأفضل أن ننام أيها
الرجل العجوز ، فإنّ أمامنا غداً طريقاً طويلاً وجافاً " . وفرشا
خُرْجَيْهِما على الرمال ، ثم رقدا ، ولفّ كلٌّ منهما جسده ببطّانيّته ،
وغطّى " ميتشيل " وجهه بقطعة من القماش ، لئلاّ يجعله ضوء القمر يقظاً .
تأليف
: هنرى لوســـون
ترجمة
: يوسف عبد العزيز على
أسوان
1995م
نشرت هذه القصة فى مجلة " الفيصل "، المملكة
العربية السعودية ، العدد 305 ، فبراير 2002 م .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
مفرده " كوز " ، وهو إناء معدنىٌّ يشرب به الماء .
(2)
الخرج ، وعاء من قماش ذو شقّين ، يحمل على الكتف أو على الدابّة .
يــوم فـى ضيـعــة
قصة قصيرة بقلم : هنرى لوســون
ترجـــمـة : يوسف عبد العزيز على
المنظر العام لضيعة غربية صغير فى " نيو ساوث ويلز " . مالكها إنجليزىّ
الأصل ، وزوجته أيرلنديّة . الزمان ، يوم الأحد ، حوالى الثامنة صباحاً . امرأة
يبدو عليه الإنهاك ، تخرج من البيت المبنىّ من عروق ولحاء الخشب ، وتدير وجهها
ناحية التلّ ، وتصيح مادّةً حروف الكلمة : " تـووومــى ! " .
لا
إجابة تأتيها ، فتسحب فى الحال نفساً عميقاً ، وتصيح مرة أخرى : " تووومــــى
! "
صدىً
ضعيفٌ لصوت يأتى من بعيد عند تحويلة السكة الحديديّة ، حيث وجود " تومى
" يمكن تمييزه ، لكن بغير وضوح ، عن طريق ستّ بقرات تتحرّك ببطء شديد نحو
حظيرة البقر . تدخل المرأة البيت . بعد ذلك بعشر دقائق تخرج مرة أخرى وتصيح "
تووومـــى ! " ، فيأتيها الردّ فرحاً ومجلجلاً : " نعـــم ! "
ـ
" ألن تذهب لتحضر هذه الأبقار اليوم ؟ "
ـ
بلى ، ألا ترين أننى قادم ؟ "
يظهر
فتى يجرى بعشوائيّة على طول تحويلة الخطّ الحديدىّ ، يلاحق بقرةً حلوباً . البقرة
تجرى للأمام لمسافة قصيرة بين الأشجار . ثم تتوقّف لكى ترعى مرة أخرى ، بينما
الفتى يستفزّ بقرة حلوباً أخرى . وتمر ساعة بعد ذلك .
الجيل الأسترالى الناشئ يمثّله هنا فتىً طويلٌ ونحيف . يبلغ من العمر حوالى
الخامسة عشرة . وهو مكلّف بحلب الأبقار . حظيرة الأبقار تقع أمام البيت .
وأرضيّتها غالباً ما تكون موحلةً بعمق كاحل الإنسان . يسوق الفتى أمامه بقرة متربة
، تبدو خائفة ، نحو السياج . يربط رأسها إليه . ثم يربط رجلها اليمنى
الخلفيّة ويشدّها للخلف ، ويربطها فى السياج أيضاً . تتبقّى هناك إحدى عشرة بقرة
لكن لا واحدة منها يمكن حلبها خارج السياج ، لا سيّما وأن حلمات أثدائها متقرّحة .
لا يعلم صاحب الضيعة ما الذى يجعل حلمات الأبقار تتقرّح . ولكن لديه اعتقاد أكيد
فى مرهمٍ ما ، أوصاه به رجلٌ يعرف عن الأبقار أقلّ منه هو شخصيّاً . وهذا يعو إلى
أن يستعمل فى مدد غير منتظمة تاركاً طريقة الاستعمال حسب حريّة تصرّف ابنه ـ وفى
الوقت نفسه تظلّ حلمات الأبقار متقرّحة .
بجعل البقرة مربوطة ، يمسك الفتى فى حذر بأقلّ الأثداء تقرّحاً ، يجذبه بعنف فجأة
متفادياً عرقوب البقرة . عندما يحصل على كمية كافية من اللبن لأن يغمس يديه
الملوّثتين فيها ، يقوم بترطيب الحلمات . وتستمر الأمور على ما يرام بعد ذلك . ومن
حين لآخر يذهب ملل عمله هذا برشّ اللبن على عين الثور الذى غلبه النعاس فى الحوش
المجاور . مرّات أخرى يحلب اللبن داخل فمه . فى كل مرة ترفس البقرة بأرجلها ؛ تسقط
قشرة ثمرة خشنة أو بذرة عشبٍ أو قطعة من شئ آخر مشابه فى اللبن . كل هذه الأشياء
يغرقها الفتى بتيّارٍ من اللبن موجّه جيّداً عليها ـ من منطلق أن : البعيد عن
العين بعيد عن القلب !
أحياناً
يلصق الفتى رأسه ببطن البقرة ، ممسكاً بإحدى الحلمات ، ثم ينام نوماً خفيفاً ،
بينما الدلو مثبّتٌ بإحكام وبصورةٍ آليّة بين ركبتيه . بعد ذلك ينزل الدلو
تدريجيّاً حتى يستقرّ على الأرض . وما إن يغلبه النعاس حتى يفزعه صوت أمّه الحادّ
بتساؤلٍ عمّا إذا كان ينوى الانتهاء من حلب الأبقار اليوم أم لا . مرّات أخرى
يستيقظ بسبب تحرّكات البقرة المفاجئة ، أو بأن يطرحه أرضاً أحد الثيران المندفع
توّاً من خلال أحد الألواح الخشبيّة المكسورة فى جدار الحوش . فى الحالة الأخيرة
يمسك الفتى بالثور مبعداً رأسه عن ثدى البقرة بكعب حذائه ، ثم يربطه فى أى مكان .
أحياناً تقطع البقرة أو تفكّ قيد رجلها . وتضع رجلها فى الدلو ، عندئذ يتشبّث
بالدلو المملوء باللبن يائساً ، ويظلّ على أمل فى أنها سوف تخرج حافرها مرة أخرى
دون أن تسكب اللبن منه . أحياناً تفعل ذلك ، وغالباً لا تفعله ! وهذا يعتمد على
مدى قوّة الفتى وذكائه ، وكذلك على مقدار اللبن فى الدلو . على أية حال ، فإن
الفتى يضطر ليضرب البقرة بجاروف الحظيرة القديم ، وتركها تخرج ويحلب بقرة أخرى .
وعندما
يدرك أنه قد انتهى من عملية الحلب ، يترك الأبقار مع صغارها فى الخارج . ويحمل
الحليب متّجهاً إلى معمل الألبان . حيث ينتظره جدالٌ ساخن مع أمه ، والتى ـ آخذة
رأيها بناءً على كمية اللبن ـ يكون لديها المبرّر فى أن تعتقد أنه أغفل بعض
الأبقار الحلوب ، وهذا ما ينكره غاضباً ، مخبراً إياها أنها تعرف جيداً أن الأبقار
آخذة فى الكفّ عن الإرضاع .
معمل الألبان مبنىٌّ من لحاء شجر " البقس " المتعطّن ـ على الرغم من
كثرة اللحاء الليفىّ الجيد على مسافة قريبة ـ والبناء يبدو كما لو أنه يريد أن
ينهار ، وتمنعه من ذلك فقط ، ثلاث دعامات منحنية تقف ضدّ الجانب المائل .
المزيد من الدعامات سوف تُحتَاجُ عمّا قريبٍ فى الناحية الخلفيّة . لأن المعمل
يُبْدى علامات أنه سينهار فى ذلك الاتجّاه . اللبن موضوع فى أطباق مصنوعة من صفائح
الكيروسين المقسّمة أنصافاً ، والموضوعة على الأرفف الخشبيّة المثبّتة على الجدران
. الأرفف ليست مسوية الاستقامة ، والأطباق فى وضع أفقىٍّ نسبيّاً ، مستندة على
شرائح وقطع صغيرة من الخشب ، محشورة تحت جوانبها السفليّة . اللبن مغطّى بفروخ
ملوّثة من ورق الصحف القديمة ، مفروشة على أعواد موضوعة عبر الأطباق . إن هذه
الوقاية ضرورية لأن لحاء الشجر الموجود فى السقف قد تفتّت وترك ثقوباً ذات أهداب ـ
وأيضاً لأن الدجاج يصعد ويجثم هناك ـ يحدث أحياناً ويرتخى الورق عند المنتصف ،
عندئذٍ تكون الزبدة بالطبع قد تأثّرت بشئٍ من ذلك القبيل .
تزيل
زوجة صاحب الضيعة أوراق الصحف ، وتكشف عن طبقة صفراء سميكة من الزبدة ، مرشوشة
بغزارة بالتراب الذى سقط عليها بطريقة ما . ثم تدير سبّابتها على حواف
الزبدة لكى تفصلها عن الطبق ، ثم تلعق إصبعها بفمها . وتستمر على هذا النحو
فى عملية نزع الزبدة . إذا كان اللبن والزبدة متماسكين جدّاً ، قامت بلفّ الزبدة بأصابعها
كفطيرة ، وأخرجتها من الطبق وقسّمتها إلى قطع . اللبن الكثيف المتخثّر يُصَبُّ فى
دلوٍ للخنازير وصغار الثيران . الأطباق تُنَظَّفُ فى حوضٍ ملئٍ بالماء الساخن ،
بواسطة خرقةٍ قديمة . ثم تشرع الزوجة فى وضع لبن الصباح . يمسك " تومى "
بالخرقة ذات الشكل غير المريح ، التى تعمل كمصفاةٍ ، بينما أمّهُ تصبُّ اللبن .
أحياناً تتعب يد الفتىَ فيترك بعض اللبن يطفح ، مما يجعله ينزعج . ولكن هذا لا
يهمّ كثيراً ، لأن قماشة المصفاة بها ثقوبٌ كبيرة فى المنتصف .
يواجه بابُ المعمل الطريقَ الترابىّ . هو بدون مفصّلات . لذلك يجب أن يستند
إلى دعامة . لكن الدعامة غير موجودة هذا الصباح . و " تومى " متّهم بأنه
كان يطارد بها البقرة " بولى " العجوز فى ساعةٍ مبكّرة هذا الصباح .
لكنه لم يرَ أبداً هذه الدعامة اللعينة ، ولم يطارد بها بقرة من قبل . لذلك يريد
أن يعرف ما لفائدة من اتّهامه بذلك دائماً . علاوة على ذلك ، هو يشكو من أنه
يُلامُ على كل شئ بصفة مستمرّة . الدعامة الخشبيّة لا بدّ وأنّها ستظهر . لذا فإن
عربة قديمة وضعت خلف الباب لكى تجعله فى وضع الإغلاق . هناك الكثير من القلق حول
البقرة التى فقدت ولم تُحلب ليومين مضيا . يأخذ الفتى الأبقار إلى الحظيرة الصغيرة
القريبة من البيت ، المحاطة بسياج ، ويغلق عليها السياج مُنْزِلاً الجزء
العلوىّ من الباب الحديدىّ . بينما الجزء السفلىّ مثبّت بشدّة ويحتاج لبعض الجهد
لفكّه ، لذلك يجعل الحيوانات تقفز فوقه قبل أن يغلق عليها . ثم يقوم بإطعام الثيران
الصغيرة التى فطمت مبكّراً جدّاً بيديه . يحمل اللبن المنزوع الزبدة إلى الحظيرة
فى دلوٍ مصنوع من برميل زيت ـ وأحياناً صفيحة كيروسين ـ ثم يمسك بثورٍ من عنقه
بيده اليسرىَ ، ويدخل سبّابته الملوّثة فى فمه ، ثم يدفع برأسه إلى أسفل نحو اللبن
. يمتصّ الثور اللبن معتقداً أنه يرضع من ضرع . بعد ذلك وبسرعة ينطح برأسه فى عدّة
اتّجاهات ـ كما تفعل صغار الأبقار لكى تذكّر أمهاتها بأن تترك اللبن ينزل ـ يحدث
أن معصم الفتىَ تخدشه حافّة الدلو المتشقّقة جدّاً ، فيلكم الثور فى فكّه ، ويركله
فى بطنه ، ثم يحاول أن " يفطّسه " بوضع أنفه فى اللبن . وأخيراً يبعده
عن الدلو بواسطة الحبل والجاروف ، ويقوم بإحضار ثور آخر لكى يشرب . تبدو يده لزجة
. والإصبع الوحيد النظيف يجعله يبدو كأنه يرتدى قفّازاً ملوّثاً بالدهون ، ممزّقاً
عند الإصبع السبّابة .
يقف صاحب الضيعة مستنداً إلى سور ، يتحدّث إلى أحد جيرانه . تستقرّ ذراعاه على
أعلى قضيب السور . وتستريح ذقنه على يديه . ويستقر غليونه بين أصابعه . بينما تقع
عيناه على بقرة بيضاء تجترّ طعامها فى الجانب الآخر من السور . ذراعا الجار
تستندان أيضاً على أعلى قضيب السور ، وذقنه تستريح على يديه ، بينما غليونه
مستقرٌّ بين أصابعه ، وعيناه واقعتان على البقرة ذاتها ! إنهما يتحدّثان عن هذه
البقرة . لقد ظلاّ يتحدّثان عنها لمدّة ثلاث ساعات . وبينما هى تجترّ طعامها ، كان
أنفها مشرعاً إلى أعلى وللأمام وعيناها مغلقتين . تترك البقرة فكّها السفلىّ ينزل
قليلاً ، تحرّكه إلى جانب واحد ، ثم ترفعه وتعيده إلى وضعه مع هزّةٍ دائرية . ثم
يظلُّ فكّها ساكناً تماماً للحظة . وقد تَظُنُّ أنها توقّفت عن المضغ . لكنّها لم
تفعل ذلك بعد من آنٍ لآخر تمرُّّ لقمةٌ طريّةٌ سلسة ، ظاهرةً عبر رقبتها البيضاء
النظيفة ، ثم تختفى . ثم تعود للمضغ مرة أخرى . وبعد قليل تفقد وعيها وتنسىَ أن
تمضغ . ولا تفتح عينيها مطلقاً . إنها بقرةٌ صغيرة السنّ ، وفى حالةٍ جيّدة ،
ولديها يكفيها من طعام . والشمس دافئة بما يناسبها . وفى الواقع لو أنّ حيواناً
يمكن أن يكون سعيداً حقّاً ، فيجب أن تكون هى ذاتها .
يبتعد
الرجلان الآن عن السور ، ويملآن غليونيهما ، ويذهبان لإلقاء نظرة على بعض صفوف
العيدان المتفرّعة المغروسة فى الأرض بشكل واضح ولغرض ما . صاحب الضيعة يسمّى هذه
العيدان " أشجار فاكهة " ، ويسمى المكان " البستان " . ظلاَّ
يتسلّيان بهذه العيدان البائسة حتى وقت الغداء . عندما قال الجار إنه يجب أن يعود
إلى بيته ، قال له صاحب الضيعة : " ابقَ معنا . وتناول الغداء أيها الرجل
النشيط ! ابق معنا وتناول الغداء " . وهكذا بقى الصديق .
إنه يومٌ صيفىٌّ حارٌّ ذو شمس محرقة . والغداء يتكوّن من لحمٍ مشوىٍّ ساخن ،
و" صينيّة " بطاطس ساخنة ، وكرنب محشوّ ساخن ، وقرع ساخن ، وبسلّة ساخنة
، بالإضافة إلى فطيرة خوخ ساخنة ملتهبة .
تشرب
الأسرة أربعة فناجين من الشاى لكلّ فردٍ فى المتوسّط بعد كلّ وجبة . أخذت الزوجة
مكانها فى مقدّمة المائدة ممسكة بمكنسة لكى تذود بها الدجاج . فى السكتات القصيرة
كانت تقاطع الحديث بمثل هذه الصيحات " هِشّْ ! هِشّْ ! " تومى
" : ألا ترى هذه الدجاجات ؟ أخرجها من هنا " .
من
الواضح أن الدجاج يمضى كثيراً من وقته داخل البيت . فهو أصبح يميّز المساحة التى
يغطّيها دوران المكنسة لضربه ، فيظلّ فطناً إلى ضرورة البقاء وراءها مسافة بوصتين
أو ثلاث . ومن وقت لآخر يمكنك أن ترى دجاجةً على خزانة أدوات المائدة بين الآنية
الفخّاريّة . هناك اهتمام من الأسرة لإبعاده قبل أن يكسر أىَّ شئ . وبينما الغداء
مستمر دخل ثوران صغيران فى حقل القمح عبر سورٍ مكسورٍ كان قد أصلح مؤقّتاً بقطعة من
لحاء الخشب . كما أن ثوراً أو اثنين اقتحما كرم العنب . مع ذلك فإن هذا الأسترالىّ
صاحب الضيعة ـ الذى هو عديم التدبير لدرجة أنه لا يعرف أن يقيم سوراً مناسباً ، أو
أن يبنى بيتاً لائقاً ، والذى هو أيضاً يعرف القليل وقد لا يعرف شيئاً بالمرّة عن
الزراعة ـ قد يبدو من حديثه أنه اطّلع على جميع القضايا الاجتماعية والسياسية
العظيمة التى تخصّ هذا العصر . وهذه بعض نِتَفٍ من الحديث اِلْتُقِطَتْ على مائدة
الغداء . الحاضرون هم : صاحب الضيعة ، الزوجة ، الجار " كورنى جورج "
ولقبه " هنرى جورح " ، و" تومى " و " جاكى "
، والأطفال الأصغر سنّاً . الفراغات الموجودة فى نصّ الحديث تمثّل مقاطعات الدجاج
والأطفال .
ـ
" كورنى جورج " ( مستأنفاً الحديث ) : " ولكن " هنرى جورج
" يقول فى كتابه " التقدم والفقر " ، يقول :
ــــــــــــ
ـ
الزوجة للدجاج : " هِشّْ ! هِشّْ ! "
ـ
كورنى : " هو يقول ــــــــــــ "
ـ
تومى : " أمّى ، أجيبى جاك هذا ! "
ـ
الزوجة ( مخاطبة جاك ) : " إذا كنتَ لا تستطيع التصرّف بنفسك ، اترك المائدة
" .
ـ
تومى : " هو يقول فى " التقدم و ـــــــ "
ـ
الزوجة : " هِشّْ ! "
ـ
الجار : " أعتقد أن كتاب " النظر إلى الوراء " أكثر
ــــــــــ "
ـ
الزوجة : " هِشّْ ! هِشّْ ! تومى ألا ترى هذه الدجاجة ؟ "
ـ
صاحب الضيعة : " الآن أعتقد أن كتاب " كتيبة القيصر " هو تقريباً
أكثر ــــــــــــ فقط انظر إلى ـــــــــــ "
ـ
الزوجة : " هِشّْ ! هِشّْ ! "
ـ
صاحب الضيعة : " انظر إلى " الثورة الفرنسيّة " " .
ـ
كورنى : " والآن ، هنرى جورج ـــــــــــ "
ـ
تومى : " أمى ، لقد رأيتُ كنجارو عجوزاً هناك فى ــــــــــــ "
ـ
الزوجة : " كفىَ ! تناول غداءك وأنت ساكت ، لا تتكلّم . ألا ترى أن الناس
يتكلّمون ؟ "
ـ
صاحب الضيعة : " فقط انظر إلى " الثورة ـــــــــــ "
ـ
الزوجة ( للدجاج ) : " هِشّْ ! هِشّْ ! ( فجأة تتجه إلى جاكى ) : " أخرج
أصابعك من السكّر ! يجب أن يضايقك أن أقول لك شيئاً كهذا " .
ـ
الجار : " ولكن " النظر إلى الوراء " ـــــــــــــ "
ـ
الزوجة : " اذهب إلى هناك يا " تومى " . ألم أقل لك إنك ستسكب
الشاى ؟ اذهب بعيداً عن المائدة ! "
ـ
صاحب الضيعة : " أعتقد أن " كتيبة القيصر " ـــــــ هو الوحيد
ـــــــ "
ـ
الزوجة : " هِشّْ ! هِشّْ ! " . ثم تفقد صبرها فتنهض وتتمكّن من الإمساك
بديكٍ صغير عن طريق المكنسة ، وتلقيه إلى داخل الفِناء ، فيسقط على رأسه جهة الباب
، ويعود من جديد .
بعد
ذلك كان الحديث عن " ديمنج " .
ـ
صاحب الضيعة : " ما من شكٍّ فى أن هذا الرجل مجنون ــــــــــــ"
ـ
الزوجة : " " ديمنج " ، هذا الوندسور التعس ! لماذا ؟
لو كانت بيدى سلطة لأمرت بغليهِ حيّاً ! لا تقولوا لى إنه لم يكن يعرف ما يفعل !
لماذا ؟ وددتُ لو أننى جعلته ـــــــــــ "
ـ
كورنى : " ولكن يا سيّدتى ، أنتِ ـــــــــــــ "
ـ
الزوجة ( للدجاج ) : " هِــشّْ ! هِــشّْ ! "
*
* *
تأليف
: هنرى لوســــون
ترجمة
: يوسف عبد العزيز على
أسوان
12 / 9 / 1997 م
نشرت هذه القصة فى مجلة " نوافذ " ، المملكة
العربية السعودية ، العدد الرابع ،يونيو 1998 م .
هنرى
لوسون :
ولد
" هنرى لوسون " فى 17 يونيو 1867م ، فى بلدة " جرنفل " بالقرب
من مدينة " سيدنى " ، لأبٍ نرويجى كان يعمل بحاراً ، يدعى " نيل
هيرتزبرج لارسن " ، وأم تدعى " لويزا " . حصل " لوسون "
على قدر لا بأس به من التعليم ، ثم أصيب بالصمم عندما بلغ التاسعة من عمره ، وقد
رافقه هذا الصمم بقية حياته . فى سنة 1882 انفصلت والدة " لوسون " عن
أبيه وعاشت هى وابنها فى " جرنفل " ، حيث انخرطت فى الحركة النسائية
وأصدرت مجلة تحمل اسم The Republican
والتى
نشر فيها " لوسون " أول مقطوعة نثرية له .ومن أوائل أعماله التى
جلبت له الشهرة قصة مسلسلة نشرها فى مجلة The Worker
بعنوان
Arvie Aspinall سنة 1892 ، هذا إلى جانب قصص الغابة مثل The
Drover's Wife و A Day On A Selection .
ومن
الكتب التى أصدرها " لوسون " وزادت من جرّائها شهرته ، كتاب While
The Billy Boils وكتاب In The Day When The
World Was Wide اللذان صدرا فى عام 1896م . كما صدرت له بعد ذلك
مجموعة قصصية بعنوان Over The Sliprails , On The Track ومجموعة
شعرية بعنوان Verses Popular And Humorous .
سافر
" هنرى لوسون " إلى إنجلترا فى سنة 1900م ، بحثاً عن مزيد من الشهرة
والتألّق ، كما هى عادة الأدباء الأستراليين فى ذلك الحين . إلا أنه أخفق فى هذه
الرحلة كما أخفق زميله الشاعر " بانجو بيترسون " بعده بعام واحد فى رحلة
مشابهة . وبعد عودته استقر " لوسون " فى " سيدنى " ليصدر بعد
ذلك عدداً من مؤلفاته .
توفى " هنرى لوسون " فى 22 سبتمبر 1922م
فى بلدة " أبستفورد " بالقرب من مدينة " سيدنى " ، قبل أن
ينتهى من كتابة مذكراته حول رحلته اليتيمة إلى " لندن " .
*************