شعر مترجم

Translated  Poetry

 

قصـيدتان من  إ  .  إ  .  كمنجـز **

 

ترجمة : يوسف عبد العزيز على

 

(1)                 عندما تساوم الثعابين من أجل حقّ التلوِّى

        والشمس تُضرب عن الشروق لكى  تحصل على الأجر الكافى

        وعندما تنظر الأشواك لأزهارها بانزعاج

     وأقواس قزح تؤمِّن على ألوانـهـا ضدّ الشيخوخة   . 

*     *     *

                          عندما يغنّى كلُّ طائرٍ مغرّدٍ دون ارتباطٍ ببزوغ القمر 

                          وإن لم يستحسن البوم الناعب صوته ،                      

                          وأىّ موجة بإمكانها أن توقّع على الخط المنقّط

                          أو يجبر المحيط على الإغلاق  ! 

*   *    *

                          وعندما تطلب السنديانة تصريحاً لعصا التأديب

                          لكى تجعل وديان البلوط تتّهم جبالها

                         بأنها ارتفعت عن سطح الأرض

                         وشهر مارس يبلغ عن أبريل بأنه مخرّب  .

*   *   *

                          عندئذٍ سوف نصدّق  بوجود هؤلاء الناس

                         الخرافيّين  الذين تخلّوا عن  طبائعهم الحيوانية

                          ( وليس قبل ذلك )  !

                                        

*************

 

(2)                    أشكرك  يا الله  ، بسبب هذا اليوم المدهش

                        وبسبب أرواح الأشجار المتوثّبة بالخضرة

                        وحلم السماء الأزرق الحقيقىّ  ،

                        وبسبب  كل شئ طبيعىّ  لانهائىّ وإيجابىّ  .

 

*   *   *

                           ( أنا  الذى كنتُ  ميّتاً من قبل  ، حىٌّ مرّةً أخرى اليوم

                           وهذا يوم ميلاد الشمس ،

                           ويوم ميلاد الحياة  والحب  والطيور

                            والدنيا  السعيدة  الواسعة بلا حدّ  ) .

*   *   *

                            كيف يشكُّ أىُّ إنسان وهو مجرّد كائن

                            جعلته يتذوّق  ويلمس  ويسمع  ويرى  ويتنفّس 

                            ــ وقبل ذلك خلقته من عدم العدم  ــ

                            كيف  يشكُّ فيك  يا من لا  يدركك عقل  !

*    *   *

                             ( الآن  اسـتيقظـتْ آذانُ آذانـى

                              وأبصـرتْ عـيـونُ عـيـونى  )  .

 

***********

إ . إ . كمنجز :

" إدوارد إستلين كمنجز " شاعر وروائى وكاتب مسرحى ورسّام أمريكى . ولد فى 14 من أكتور 1894 . تخرج فى " هارفاد " سنة 1915 ، وحصل منها على درجة الماجستير سنة 1916 . نشر أول دواوينه الشعرية فى عام 1923 وكان عنوانه " زهور التوليب والمدخنة " .

تميزت قصائده باعتمادها على الإخراج الطباعى الذى يتجنب الاعتماد على الأحرف الكبيرة فى بدايات الكلمات ، وكذلك الخلوّ من علامات الترقيم .

 

نشرت هاتان القصيدتان بمجلة " الفيصل "  السعودية ـ عدد  288  سبتمبر 2000م .

 

*************

                                                   

 

قصـــيدتان

شعر : ميخائيل  لوكونين**                                                                       

 

1 ـ أمّـى

ترجمها عن الإنجليزية : يوسف عبد العزيز على                                        

 

منذ وقتٍ طويلٍ لم أُقَبِّـل أمّى

عندما كنتُ طفلاً صغيراً  كنتُ أقبّلها معانقاً ؛

كنتُ أجرى  من الطريق  إليها ، شاكياً ، عندما يضربنى أحد

وعلى الفور بعد ذلك أقرّر أن أكون أكثر شجاعة .

كنتُ أقول فى نفسى : " الشجاعة هى العقدة ! "

وكنتُ أقول  : " الشجاعة إذن هى الطريق

الذى يمكنك أن تعود  فيه  إلى البيت قائلاً : طابت أوقاتكم ! " .

 

" أنا مغادرٌ إلى الحرب ! "

هكذا قلتُها مبتسماً بِنَزَقٍ ،

" سأُدير ظهرى للدموع المنهمرة ،

وصرخات الأم ،

                  ذاهباً إلى محطة السكك الحديديّة   ! "

 

إنها المرأة التى ربّتْنِى .

التجاعيد تملأ وجهها الآن  .

شفتاها مزمومتان   . لقد فقدتْ جمالها الآن  .

ولم يعد لديها أىّ شئٍ من حِدّّتى ، متوقّداً فى عينيها  كما اعتدت .

وها هى  ذى  لحظة تأمل ..

 

من يوم إلى يوم

أفكّرُ فيكِ  ،

فى أيام طفولتى،

فى مستقبلى أيضاً  ،

وفى المرأة التى ربّتْنِى .

 

منذ أَمَدٍ بعيدٍ لم أقبّل أمّى  .

" إذا  كتبت لى العودة من جديد  يا أمّى ،

إذا أمكنكِ أن تصفحى عن ابنك   

ـــ   بقلب الأم الذى تمتلكين  ـــ

سأعزم على أن أكون لطيفاً معك  ،

وسأغمركِ بفيضٍ من القبلات  .

سوف أتبع قلبى المتلهّف

وأحتضنكِ بحُرقة ،

وأمسح دموعكِ  ،

         سنكون وجهاً  لوجه مرّةً أخرى  ،

قبل أن أغادرَ ، وأذهب بعيداً  إلى الحرب !

 

*************

 

 

2 ـ سأعود إليك

شعر : ميخائيل لوكونين                                                            

ترجمها عن الإنجليزية : يوسف عبد العزيز على

 

أنت تظن

اننى سأعود

مرهقاً ومنهكاً ،

مذهولاً من فظائع الحرب ،

متلهّفاً  لأن أحكى

عن الجحيم الملتهب ،

عن القذارة والألم والدم .

 

الذى سوف أقوله

ـ  كما لو كان حقّى  ـ

هو عن الموت المتفشّى والمتزايد .

لكنّك ذات ليلة حالكة

سبحتَ عبر نهر  " الفولجا " إلى الحياة .

لقد  نِلْتَ  نصيبَكَ  من الأيام القاسية   ،

بسبب العهود التى تراعيها  !

 

أنت تظنّ

أننى بين مباهج الوطن

كروحٍ   تائهةٍ  سأهيم  !

سوف ترتّب سريراً،

لكنّى سأنام على الأرض

وستعدّ مائدةً

لكنّى سأتناول طعامى بجوار الباب  ..

سأزحف  إلى البوّابة ، وأحفر خندقاً .

وفى الليل ، عندما تكون غير منتبه إلى وجودى

سأقفز صائحاً ، وقبضتاى محكمتان على السلاح  :

"   قِـفْ  !!  وإِلاَّ  سأطلق النارَ  !  من  هناك  ؟!  "

 

لا    !

لا شئ من هذا سيحدث على الإطلاق  !

القصة الدامية حُكِيَتْ   .

سنأتى وقلوبنا  رقيقة  وخالية من الهموم ،

ونكون   قد كبرنا وشخنا ، ولكن لم نَـفْــتُـرْ أبداً

لن نعود أبداً محزونين ومنهَكين .

 

ولكن عندئذٍ  ـ لم العودة من الأصل ؟!

سنأتى  لكى نبنى  ونرأب الصدع

قبل أنّ   نستهين  بأىّ وظيفة أو عمل    !

لكى أدفع دَيْنَ الحبّ والرعاية  ،

إليك يا من  أسرعتُ إليه عبر الجحيم .

إن ما تحمّلتُه كان علىَّ أن أتحمّله  ،

أنا  لم أفعل أىّ معروف على أيّة حال .

 

الآن  ليس بندقيّةً ،

بلْ  قلماً  هو الذى سأمسِكُ بيدى ،

لكى أكتب قصيدة حبّ   .

سأعمل فى مصنع   ،

وسأنام فى سرير  ،

حيث السماوات الآمنة فــوقى   .

 

ليس لنا  الحقّ فى اختيار ما نأخذ وما نترك 

ليس  لنا  الحقّ على الإطلاق  ،

مع ذلك  ،   فإنه من الأفضل

أن تأتى بيـدٍ فـارغةٍ

      على أن  تعود بروحٍ  خاوية  !

 

************

                  

      

نشرت هاتان القصيدتان بمجلة " نوافذ " السعودية ـ عدد رقم 18 ـ ديسمبر 2001 م .

ـــ ميخائيل لوكونين :

 

شاعر روسى ولد فى سنة 1918 ،  وتوفى فى سنة 1976 م .  بدأ كتابة الشعر فى سنة 1938 .حائز على جائزة الدولة فى الشعر . له ما يقارب العشرين مجموعة شعرية . يتميز قاموسه الشعرى بالرقة والعاطفة الجيّاشة .

 

 

 

 

 

********************

 

 

 

 

 

 

الـروّاد

 

شعر : بانجو بيترسون                                      

 ترجمة : يوسف عبد العزيز على

 

من سلالةٍ شجاعةٍ جوّالة لا تعرف الاستقرار فى مكانٍ جاءوا ،

وأصبحوا أبناء الحقل والرعى،

منذ أن تعلّموا كيف يمتطون ظهور الخيل .

ربّما لا نتمنّى ــ حبّاً فيهم ــ أن نرى هؤلاء الناس فى هذه السنين السيّئة  ،

لأنّ مرتادى الغابة هؤلاء ، هم الروّاد الشجعان القدامىَ  .

 

*    *    *

 

هم الذين سلكوا مجاهل الغابة التى هى بلا طريق ،

فى الحرّ اللاهب والعواصف والجفاف  ،

وهم الذين استجابوا للنداء الأول الذى ساقهم إلى أعماقها  ،

ليتعقّبوا  آثار الماشية الجبليّة ،

مندفعين عبر المراعى الشاسعة  ، حيث تستقرّ الآن رفاتهم  .

 

*    *     *

 

ولكن الزمن الآن كئيبٌ ومملّ ، فقد أفلت الأيام النبيلة القديمة

التى انطلق فيها رجال الأدغال شاقّين طريقهم قُدُماً

ناحية الغرب المجهول ، بين الشجيرات المتشابكة ، والأحراش المتجهّمة

ليستشرفوا فى النهاية الأرض الموعودة

من على قمم الجبال  .

 

*     *     *

 

أيها الراقدون فى المقابر المنعزلة

عند الربوة والسهل البعيدين   ،

نحن نشرب نخبكم الآن فى صمت  ،

حيث تعود  أعياد الميلاد  مرّةً  أخرىَ  .

نشرب نخبكم يا من صارعتم الموات فى السنين القاسية  الحائرة ،

يا موجدى حياة أمّتنا  ،  أيها الروّاد الأوائل  الشجعان    .

 

***********

نشرت هذه القصيدة بمجلة " الفيصل " السعودية ـ عدد 224 ـ يوليو 1995م .

 

 

ما دامت عـيناكِ زرقاوين

شعر : بانجو بيترسون                                                  

 ترجمة : يوسف عبد العزيز على

 

هل ستحبّينى يا حلوتى ، عندما يكون شعرى أشيب ؟

وعندما تكون خدودى قد فقدت وضاءتها ؟

وعندما تكون فتنةُ الشباب قد خَبَتْ ؟

هـل سيستمرّ حبّكِ ، كما كان قديماً  ؟!

*     *     *

ولأن النظرات قد تتغيّر  ،  والقلب  قد يهيم بآخــر ،

والحبّ قد  لا يصير غـراماً ، كما كان من قبل ،

هل ستحبّيننى بصدق حبّ  سنوات الشباب  ،

والسنوات الماضية  ؟!

*   *     *

إننى أحبّك يا حلوتى  ،  لخصلات شعرك الأشـقر    

ولِلَـونِ خدودكِ الوردىّ ،

ولكنّنى أحبّك أكثر  بسبب قلبك الحنون ،

الذى أراه يطلّ من عينيك الزرقاوين الجميلتين  !

*     *     *

ولأن العينين دليلٌ على الروح التى بالداخل ،

وعلى القلب المخلص الصادق ،

فإننى  يا معشوقتى   سأظلُّ دائماً  أحبّك  ،

ما دامت عيناك زرقاوين   !

*    *    *

إنّ خصلات شعرك قد يتغيّر لونها ،

والخدود الخوخيّة  قد تُسْلَبُ نضرتُها  ،

لكنّنى يا معشوقتى  ، سأظلُّ دائماً  أحبّكِ  ،

ما دامت عيناكِ  زرقاوين  !!

 

*************

 

ـ بانجو  بيترسون :

               

اسمه الحقيقى " أندرو بارتون بيترسون ، ولد فى 17 فبراير سنة 1864 " ببلدة  نارامبلا " فى نيوساوث ويلز " بأستراليا . وتوفى فى  "سيدنى  " فى الخامس من فبراير 1941م . عمل فى مهنة المحاماة .  صدر أول دواوينه سنة  1854 واسمه " الرجل الذى من النهر الثلجى " . ويعد أشهر أعماله هو وديوانه " ماتيلدا الراقصة " الذى صدر سنة 1895 .  كما كتب المقالة والقصة . يعد  من أهم رواد الأدب الأسترالى .

 

نشرت هذه القصيدة بمجلة " الفيصل " السعودية ـ العدد313 ـ سبتمبر 2002م .

 

********************

 

 

جزيرة إنسْفِرى القرمزية

  

شعر : و . ب . ييتز

  ترجمة : يوسف عبد العزيز على

 

 

سوف أنهض ، وأذهب الآن  . أذهب إلى  ( إنِّـسْفرِى  )

وأبنى مقصورةً صغيرةً هناك  ، من الطين ؛ والأغصان المضفورة

سوف يكون لدىّ  تِسْـعُ  صفوفٍ من الفول ، وخليّةٌ لنحل العسل  ؛

وأعيشُ  وحيداً فـى ممرِّ  الغـابة الملئ  بطنين النحل .

 

*    *    *

 

سوف أنعم ببعض الهدوء هناك  ،  فالهدوء  يأتى على مَـهَــل

من وراء أستار الصباح  إلى حيث  يغنِّى صرّار الليل

إنَّ  منتصف الليل هناك عبارةٌ عن  وميضٍ من النور

والقمر عبارة عن تألّقٍ أرجوانىّ ،

والمســاء ملئٌ بأجنحـة الطـائر التفاحىّ .

 

*     *      *

 

سوف أنهض وأذهب الآن  ، إلى الليل والنهار الدائمين

إننى أسمع مياه البحيرة التى تتلاطم مع الشـاطئ برفقٍ وبصوتٍ خفيض

بينما أقف على طول  الطريق  ،  أو على الأرصفة  الرماديّة ،

أَسْـمَـعُـهـا   فــى  سُـوَيْداء  القلب.

 

*************

نشرت هذه القصيدة فى مجلة " الرافد " ـ الإمارات العربية المتحدة ـ العدد52 ـ ديسمبر 2001م .

 

 

 

 

 

 

عندما تكونين عجوزاً

 

 شعر :  و . ب . ييتز                                                 

 ترجمة : يوسف عبد العزيز على

 

عندما تكونين عجوزاً  وشيباء الشعر  ومليئةً بالنوم

وتنكّسـين  رأسـك نعاساً بجوار المدفأة  ؛ خذى هذا الكتاب

واقرأى على مـهـل .  واحلمى بتلك النظرة الخلاّبة

التى  كانت لعينيك  يوماً  مـا ، وبسـوادهما  العميــــق .

 

*    *     *

 

كم من الناس أحبّ  لحظات ظرفك السعيدة

وأحبّ جمالك  ،  ســواءً  حبّـاً زائفاً  أو  حقيقيّـاً

إنّ  رجلاً واحداً  فـقـط  هو الذى احبّ الروح المتطهِّرَة  فيكِ

وأحبّ  أحزانَ وجهكِ  المتحدِّى .

 

*     *     *

 

عندما تكبرين  ،  وتميلين على طاولة الحانة المتألّقة بالأضواء

وتهمسين  لنفسِكِ  ببعض الحزن  ،  كيف أنّ الحبّ  هــرب

ومرّ  فوق الجبال العالية

وخبّأ  وجهه  بين أدغال النجوم .

 

***********

 

نشرت هذه القصيدة فى مجلة " الرافد " ـ الإمارات العربية المتحدة ـ العدد52 ـ ديسمبر 2001م .

ـــ  و . ب . ييتز :

 

ويليام بتلر ييتز الشاعر الأيرلندى الأشهر ، ولد سنة 1865 فى " دبلن  ". كان أبوه رساماً شهيراً هو " جون بتلر ييتز " . نشأ ما بين " دبلن " و " لندن " ، ثم عاد إلى " دبلن " فى الخامسة عشرة من عمره . اهتم كثيراً بالأساطير والفلكلور الأيرلندى ، وظهر هذا فى كتاباته الشعرية والمسرحية  . كما  انخرط فى الحياة السياسية الأيرلندية .

نال " ييتز " جائزة " نوبل " فى الآداب سنة 1923 . وتوفى فى 1939 عن 73 عاما .

 

 

 

 

*******************

 

 

 

قـصـة الـصـرصــار

 

شعر  :  أنتونى ثويت  

 ترجمة : يوسف عبد العزيز على

 

" العلّة من الصرصار فى قصة ما  ينبغى أن تختلف عن العلّة من الصرصار فى  المطبخ  "  .   ليون ويسيلتير  ، ت  ، ل  س

 

لم يكن ذلك فى موطنى   ،  بل كان فى طوكيو

فى الساعة  العاشرة والنصف ليلاً  ،  أو ما يقرب من ذلك

دخلتُ المطبخ  ،  وضغطتُ على مفتاح النور

فرأيتُه  رابضاً على حافّة المنضدة  .

 

كان ضخم الحجم  ، بُنِّىَّ اللون  ، ساكناً لا يُبْدِى حراكاً

ذراعاه الريشيّتان  تستعدّان ـ  كما بَدَتَا   ـ

لحركةٍ قادمة   ،  وتنتظران منّى أن  أتحرّك

كان كلٌّ منّا ينظر إلى الآخـر بتمعّنٍ  شديد  .

 

لم يتحرّك  ،  وكذلك أنا  ،  ظللتُ  أراقبه

جعلتنى " البيرةُ  "  متكاسلاً  لا  أزال  ،  لكنّ  النوم بدا  بعيـــداً  ؛

بدا بعيداً  عنّى مثلما  أنا بعيدٌ  عنه

تأمّلتُه كما لو كان فى اللغة اليابانيّة

 

"  أبوراموشى  "  هو اسمه  ،

تذكّرتُ  فجأةً  متسائلاً  :

ماذا  تعنى  "  أبورا  "    ،  فكلمة  " موشى  "    معناها حشرة  ،

أو " دستة  "  من الأشياء الأخرى ، فى اليابانيّة  ؟

 

مثل  نوعٍ  مـا   من الحساء  ، صافياً  وساخناً  ،

كان هذا الصرصار   ،  على الرغم  من ذلك  ،  أكثر  من  " ســاموراى  "

كان مدرّعاً  ، ومُـخَــوّذاً  ، واثقاً  وفخوراً  بنفسه

وقد  واجهتُهُ  كما  لو كنتُ فلاّحاً  بسيطاً  .

 

خشيتُ  أن يطرحنى جانباً  بسيفه

أو يـقـفـز  عبر  أعلى المنضدة   ،  وفوق  الأرض

منتفشاً  بالغضب  ، فوق  شعرى  المعروق   ،

إنها  ليلةٌ  سبتمبريّةٌ  حارّة  ،  وأنا

 

كنتُ مرهقاً من السفر  .  "  سأتغلّبُ  عليه  ،

هذه  الرائحة  الكريهة المتصاعدة  من  خشب الأرضيّات  ،

تصيبنى بالغثيان "  ـــ  قلتُ  ذلك  فى نفسى  ـــ  " فأنا متعبٌ من الأوهــام  "

خلعتُ  أحد  خُفّىَّ  ،  وسدّتُهُ  نحوه   .

 

فانزلق   من  على المنضدة  ،  وسقط  على  الأرض

بخفّةٍ   كأنه   يسقط  فى  سائل  .ثم  مشى  للخلف  منتحـياً  جانباً

ناحية البالوعة   .  فألقيتُ  بكلّ  جسمى  تجاهه

وسحقتُهُ  بالخُفّ  ،  ثم جلستُ  القرفصـــاء   .

 

انتفشتْ  أضلاعه  القشريّة  ، وسالتْ  دماؤه  على الأرضيّة الخشبيّة

وارتعش نصف ارتعاشة ، كأنه يحتجّ  ،

ثم رقـد  سكناً  ،  ليموت   .

مسحتُ  الخفّ بقطعةٍ من ورق الصحف   ،

وغسلت يدى بالماء  ،  ثم تلمّستُ  طريقى إلى السرير  .

 

هذه هى القصّة  ،  وهذه هى  القصيدة  قيلت

فى وزنٍ وقافية حتّى نهايتها

ما  العلل  إذن  من  الصرصار  ، أو من القصيدة ،

ولماذا حُكِيَتْ القصّة ؟  من يمكنه أن يجيبنى  ؟!

 

الصرصار فى المطبخ  هو الواقع

والصرصار فى  أىّ حكاية تحكى قد يكون أكاذيب  ،

فالحشرة كانت نبيلةً ، صارمةً وقويّة ،

وها هو ذا الكاتب   يصنع حياةً  من الأساطير   !

 

********

ـــ أنتونى ثويت :

 

شاعر إنجليزى ، ولد فى يناير 1930 . تخرج فى جامعة " أكسفورد " عام 1954 . عمل كأستاذ زائر  للأدب الإنجليزى فى جامعة " طوكيو "  باليابان فى الفترة من 1955 إلى 1957 . كما عمل كأستاذ مساعد للأدب الإنجليزى  بجامعة  " بنغازى  " الليبيّة فى الفترة من 1965 إلى 1967 . بعد عودته إلى بلاده  عمل فى الصحافة الحرة  وفى هيئة الإذاعة البريطانية . له ما يقارب العشرين ديواناً شعرياً ، ومجموعة من الكتب النقدية .

 

 

 

نشرت هذه القصيدة بمجلة " سطور " ـ القاهرة ـ العدد رقم 27 ـ مارس  1999م .

 

*************

 

تاريخنا

 

شعر : مبيلاّ ســون ديبوكو                                        

  ترجمة :يوسف عبد العزيز

 

إلى إفريقيا ما قبل الاستعمار

 

ووصلت الأمواج ،

زاخرةً ـ مثل غوّاصين مثقلى الظهور 

بما جلبوه من البحار البعيدة ـ

بريقها يوهم بوجود لآلئ ،

بينما نحو الشاطئ راحت تدفع الزوارق بقوّة

والتى بدت بدورها كأنها جثث حيتان متراكمة .

.............

لقد خدعتنا أبصارنا

عندما مرّ شعاع الشمس كالبرق

فوق شفرة الرمح

بينما مدافع الغزو المنطلقة

كانت الصاعقةَ التى دمّرت الغابة .

.............

لذلك  غيّرت أيامنا زيَّها

من الجلد الطبيعى المصنوع من جلد النمر

إلى القماش المطبوع عليه أسودٌ زائفة

والذى يتحوّل بعد حين إلى أسمال بالية

كأجنحة فراشات مضروبة بالسياط .

 

أسوان 31/12/2001

نشرت هذه القصيدة بمجلة " نوافذ " السعودية ـ عدد 24ــ يونيو 2003م

 

 

 

*******

 

 

الألــم

 

شعر : مبيلاّ ســون ديبوكو                                        

 ترجمة : يوسف عبد العزيز

 

كان كل شئ هادئاً فى هذه الحديقة

حتى ما إذا أعلنت الرياح ـ مثل رسول لاهث ـ

مقدم الطاغية .

بدأت الأغصان تتحدّث فى ألم .

 

ألا تتذكّرون تلك العاصفة الثائرة ؟

 

من خوفها ، الأزهار اليائسة ـ برغم ذلك ـ صنعت باقة

للملك المتجهّم .

 

كانت الشهب بمثابة الزينة المدلاّة من تاجه ،

بينما ـ مثل الأغصان التى تحدّثت فقط عندما زأرت العاصفة ـ

كنّا نصرخ فى ألم ، عندما بدأنا نسقط ممزّقين

بالشفرة الباردة لسيفٍ خفىّ .

 

أعضاؤنا المبتورة هى التى جُرفت بعيداً بواسطة المطر

وليست دماؤنا ،

فقد بقيت ملتصقة بالجدران ، ولا يمكن محوها ،

مثل الصمغ البرّىّ على جذوع الأشجار .

 

أسوان 31/12/2001

 

ــ مبيلا سون ديبوكو :

 

من مواليد الكاميرون سنة 1936م .

أصدر مجموعة من الدواوين الشعرية منها :

" ليالٍ وأيام قليلة  " ، سنة 1966.

" لأجل النساء " سنة 1970 .

" الأبيض والأسود فى الحب " سنة 1972 .

 

 

**********

نشرت هذه القصيدة بمجلة " نوافذ " السعودية ـ عدد 24ــ يونيو 2003م

 

 

 

 

****************

 

الأم

 

شعر : شـامســور رحــمـن

ترجمة : يوسف عبد العزيز

 

لقد عاشت فى قريتها النائية الهادئة

منهمكة فى ألفٍ وواحدٍ

من الأعمال المنزلية العديدة  .

كانت تكاد لا تجد الوقت لتلحظ الشمس المتلالئة فى السماء

أو أسراب السحب المارة فوقها .

الوقتُ يمضى دون أن تنتبه لذلك .

 

المشهد بأكمله مألوف للغاية

قِدْرُ الأرز تغلى على الموقد

وسمكةٌ أو اثنتان ، وبعض السبانخ ..

كل ذلك مُعَدٌّ كطعامٍ للزوج البسيط ، الذى يعمل معلّماً .

ومن حينٍ لآخر تختلس النظرَ

إلى بعض النباتات المتسلّقة فوق سور البيت ،

وهناك ، يقف على فرع شجرة " الجاك فروت "

طائر أصفر ، يهزّ ذيله دونما توقّف ..

وهكذا تمضى الساعات تلو الساعات .

******

بعد أن تغتسل بالمياه المجلوبة من البئر

تمشّط شعرها الذى غزاه الشيب .

كانت تفكّر فى ابنها الصغير بالمدرسة المحليّة

الذى يتعلّم جدول الضرب بطريقة الاستظهار

بعد ذلك عبّأت إناءً ببعض الكعك الشعبىّ المصنوع فى البيت

والمشكّل فى تصميمات مزخرفة .

ثم أخذت تفكّر فى ابنها الأكبر ،

ذى العيون ساحرة البريق ،

الذى يدرس فى مدرسة المدينة البعيدة .

******

نادراً ما كانت تغامر وتخرج خارج حدود بيتها الصغير .

إن حياتها بسيطة ، هادئة ، وفيها إنكارٌ للذات ..

ذكريات والديها الراحلين منذ زمن طويل

هى التى تؤلم قلبها فقط .

 

فى ذلك الوقت : كان الوطن كله يرفع هامته

فى عزّةٍ وكبرياء ..

الأنباء تتدفّق من كل الأنحاء ،

الكثير من التضحيات غطّت أرض الوطن باللون القرمزىّ .

 

ملابس الابن الملطّخة بالدماء

 صدمت قلب الأم القرويّة بقسوة

الأرض الخضراء ، النهر ، المرج ، حقل " الكالاى " (1)

وبِرْكَتُهَا القديمة المألوفة ، كل ذلك ترك بعيداً فى الخلف .

********

واليوم : يرى الواحد آثار أقدامها على طرق المدينة الواسعة ،

وفى الشوارع الجانبيّة الضيّقة ،

فى  الطرق السريعة والأزقّة ..

 

وبفقدها ابنها ، مزجت الأمّ الآن

الدموع النابعة من قلبها المكلوم

بهتافات الحرب المدويّة .

ـــــــــ

    ـ شمس الرحمن (  1929م  ـ ........   )

 

ولد الشاعر " شمس الرحمن " سنة 1929م ، وتخرج فى

جامعة " دكا " ببنجلاديش  سنة 1953م . بدأ كتابة الشعر سنة 1948 ، ولفت الأنظار للمرة الأولى كشاعر عندما نشر مجموعة من قصائده فى كتاب مشترك  صدر سنة 1950 بعنوان " أشعار جديدة " .

فى سنة 1960 أصدر أول دواوينه بعنوان " الأغنية الأولى قبل  الموت الثانى " . حصل على جائزة " أدامزى " الأدبية سنة 1963 .

له ما يزيد عن العشرة دواوين ..

                                                         

                                                           

نشرت هذه القصيدة بمجلة " نوافذ " السعودية ــ عدد سبتمبر  2001م .

 

********

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ç                                 الرئيسية                                  è

é