إلى: أحمد عبد اللطيف لماذا لا تنتظرُ قليلاً وحَسْبْ !
اِدَخِّرْ بعضَ بهجتِكَ تلك
التي اعتدتَ
أن تُبعْثرَها على الأشياءِ.
لِدَرَّاجَتِكَ ألوانًا جديدةً
وانطلِقْ
ساخِرًا مِنْ قائدي السيارات.
لكَ أن تنزَعَ الصمامَ البلاستيكيَّ
من الشُريانِ التاجِيِّ،
تقْبِضَ بعضَ هذا الهواءَ
قبلَ أن يدخلَ أنوفَنا.
و تُرَدِدَ من جديدْ
- بلَكْنةٍ أجنبيةٍ -
" النيلُ أطولُ أنهارِ العالَم."
جرِّبْ توقيتًا آخرَ
لِتَرى الصِغارَ يَشِبُّون.
من المُمكنِ جدًا
أن تُصَفِّرَ فيما تَهْبِطُ الدَرَجَ
- كعادتِكَ كلَّ صباح -
أن يصبحَ ابنُكَ
أكبرَ منكَ الآن.
من الممكنِ أيضًا
أن ننسى شجاراتِنا الصغيرة.
من غير المُمْكِن
أن نغفرَ دُعابَتَكَ الثقيلةَ
كأنْ تصْعَدَ السماءَ
غيرَ عابئٍ بأكُفِّنا المُلَوِّحَةِ
حتىَّ و إن أقسمتَ
أنها
دعابتُكَ الأخيرة.
الدمَّام / 26 فبراير 2002 ****
أشياءٌ لا يراها الآخرون أبوابٌ عالية
أغلقناها على قصائدَ
أَكَلَ الصدأُ أوزانَها .
اِعْتَمَرْنا القُبَّعاتِ ..
صَبغْنا الأنوفَ ..
نَثرْنا البهجةَ فوقَ ملابسِنا البيضاءْ ،
ثُمَّ مَضينا
نَحمِلُ صناديقَنا المُجْهَدَةَ
نَجوبُ المُدُنَ
تسْتوقِفُنُا الميادينُ ذاهلةً .
أشياؤنا
تُضحِكُ الناسَ
و تُضحكُنا.
حتى إذا ضمّتنا الغرفُ
في المساءِ
أفرغْنا ما أودعْناهُ
قُبالتَنا
بلَّلناهُ بماءِ الحِكمةِ ،
وخبَّأنا اللعنةَ
في جَوْفِ الوسائدْ .
الرياض/ 9 يناير 2002
ترابٌ على الدَرَج إلى: أمينة عيسى حيث تكون
بأسنانِها كاملةً
ألمِ الركبتين
و حواديتَ كثيرةٍ ،
رَحَلتْ.
لن تنظِّفَ السلالمَ ثانيةً
لأن الأنيقاتِ بالأدوارِ المختلفةِ
يخْشينَ على شَعرِهنَّ من الأتربةْ.
يمكنُها
أن تدعو الملائكةَ الطيبين
إلى وجبةِ إفطارٍ حارَّة
وتثرثرْ
تحكي عن أصدقائِها القُدامى
و زوجِها
الذي أخذَ وسامتَه ورحلْ ،
تركها صغيرةً وجميلةْ.
أيتها المرأةُ التي أحبَّتنا
فانشغلنا بالحياة،
فيما بعد
سأريكِ أنَّ أُذُنَيَّ سقطتا
منذُ عشرِ سنين
بينما ذاكرتي تعملُ بكفاءةٍ.
لن أرفضَ مجددًا إفطارَكِ
أو أختبئَ خلفَ العدسة.
سأجربُ مرةً
أن أتنفسَ كلَّ ترابِ الدَرَجِ
ولن أعبأَ بشَعري.
سأدعُ الكِتابَ جانبًا
إذا لمحتُ اسمي
يسقطُ من شرفتِكْ.
ولن أنسى
أن أفاجئَكِ بربطةٍ ملونةٍ
لو أتممَّتِ دَرسَكِ
وعلمتني كيفَ أطهو
القلقاسَ الأخضر.
الرياض/22 أبريل 2002
****
حدثَ في أيلول مثلما
سالتْ السُمْرَةُ المؤمنةُ
فوقَ وجْهِ أُمِّي الناصِعِ
قبلَ بِدايةِ آذار
تكلمتْ شَفراتُ التكوينِ
في القنِّينةِ المُظْلِمَة.
تثاءبَتْ رُوحي
فيما
تَسْتَعرِضُ خارِطةَ الأسماءِ
إذ سيظلُّ اختيارَهم
على كلَّ حال .
عمَّا قليل
حولَ منتصفِ أيلول
ستنامُ الصرخاتُ تلك
بعد أن يَقُصَّ اليهوديُّ
"ليون ليشع"
أمومتَها
كَحلٍّ أخيرْ
ثمَّ
يمررونَ بهجتَهم
فوقَ دموعي.
مؤامرةٌ ساذَجةٌ للغاية
و مُكَرَرَة.
يُساومونَ ظلاميَّ الدافئَ
بفوانيسَ ملونةٍ
ذوو المعاطفِ البيضاءِ هؤلاءْ
ليستبدلوا خياشيمي برئتين
ثمَّ
يُدرِجُونَني في قائمةِ الموجوداتْ
حتى إذا
هَدْهَدتني عيونٌ قريرةٌ ،
رَكَلتني عيونٌ
- بعدُ لم تأتِ -
إلى حيثُ
ثقبٍ خاوٍ
فينغلقُ آخرُ خيطِ نورٍ
بحجرٍ
لا يتكلمْ.
ظلمةٌ باردةُ
ينقُصُها ترقُّبٌ أول.
ليَ الآن
أن أُخادعَهم جميعًا
أمرِّرَ جَسدي عَبْرَ الرقائقِ الحمراءْ
أدلفُ في ذاكَ الأنبوبِ الآمنِ
و أكْمُنُ هُناك
بَين ظلمتين.
مكة/18 فبراير 2002 ****
كأنها بَيْضاءُ ..........
..........
- " أمَّا في اللَّيلِ
فسوفَ تَحْمِلُني تلكَ الأصابعُ
فأخُرِجُ لِساني
و أتَسَكَعُ على ورقةٍ
أُحِيلُ فَضَاءَها
حُروفًا ... دَوائرَ
شَخْبطاتٍ وعلاماتِ تَعَجُّب.
أعلمُ جدًا
أني خالقْ،
لكِنَّ القبضةَ العَسْراءَ تلك
تملُكُ مشيئتي ،
ثمَّ أني
لا يُعْجِبُني ما أقرأُ.
أجَلْ
أفضِّلُها بيضاءَ
كأنَّها بيضاءْ
كأن تكونُ مَرْكِبًا
يسْبَحُ في ماءِ المغطس،
أو طائرةً
تَهْزِمُ إسحاق
بقصاصاتٍ صغيرةٍ
وخَيْطٍ مَشبوكٍ بأناملَ طفلة.
نعمْ
سأعْتَمِرُ غِطائيَ الليلةَ،
أكْمُنُ في عُلبتي
هُنا فَوق مكتبِها
أتمرَّدُ،
و سأتركهاُ بيضاء."
****
ظِلالٌ لم تحتويني نقطةُ النورِ التى طالما
خايلتْ طفولتي
فيما يحكيني من العذراءِ
أبي الطَّيبُ ،
حينَ هَدْهدَ سنواتي الخمسَ
فوقَ ركبتيه
بينما
أناملُه البيضاءُ تداعبُ
شرائطَ ملونةً
لملمتْ ضفيرتي.
وجهُ السماءِ
إذ يشكلُ أحلامًا
استعمرتْ باحاتِ صباي
غير أن النخلةَ تلك
ضنَّتْ بظلالِها القدسيةِ
على نساءِ الأرضِ
سواهُ
وجهِ مَريَم.
رأيتُ الرُّطَبَ تجفُّ
فوقَ كفيَّ
في ثلاثينَ شهرًا
بعد أن
طرَّزتْ راهباتُ مدرستي
شراشفي البيضاء
بخيوطٍ من
" غيرُ مُمْكن !!" .
واحتكرنَ في عباءاتِهِنَّ
حُلمي البسيط
وحدهنَ الراهبات.
في الغرفةِ الأخرى
سأطفئُ المصباحَ
بعد أن
أودعَها المهدَ
نقطةَ النورِ البديلةْ
"وجهَ ابني ".
الرياض / 14 فبراير 2002 ****
يومَ عُرسِ بناتِ الربِّ * إلى عاطف عبد العزيز
في سيد عبد الخالق
الرياض/15 مايو 2002 لا تدعْهم يمضونَ هكذا
أصدقاءَنا.
قِفْ هُناكَ
عند قَوْسِ البابِ الوحيد
خذْ يدَهُ بينَ كفَّيكَ،
لا تدعْهُ يمرُّ
قبلَ أن يعبرَ الثانيةَ والستين على الأقل.
احكِ له
عن أحفادِنا
أحلامِنا
قل إني
أحملُ عددَ أيامِهِ
في بطاقتي
وكما أفلتنا من التأميمِ عامَ مولدِنا
بشيءٍ من التحايُل
سنخادعَ تكاثرَ الخلايا ،
ثم أني
لم أتخذْ بَعْد
تدابيرَ لازمةً
لأمضي.
لنرفع نخبَ روايتِه الجديدةِ
فَمِنْ الثابتِ جدًّا
أن" بَناتِ الربِّ "* كلَّهن
اللواتي أحببنَه
سوف يدخرّنَ كلَّ فَرَحِهِنَّ
ليومٍ كهذا
يملأنَ الهواءَ بملاحَتِهِنَّ
ولا يتركنَ لباقاتِنا ثغرةً
إلى قامتِه المديدة.
لذا
حريٌ أن نُصَافِحَهُ الآن
لِيوقِّعَ أوتوجرافاتِنا
على عَجَلٍ
يَليقُ بأديبٍ كبير.
سنحفرُ وجوهَنا في ذاكرتِه
لئلا يَنْسى أصدِقاءَهُ
الأوغادَ الطَّيبين.
وهناكْ
في مَقْهانا الصغير،
تجدُ حقيبتي فوقَ الطاولةِ
نسيتُها يوم سفري ،
استبقِ غُربتي وقُصوري الذاتيِّ
واجمعْ
قُصاصاتِ ورقٍ
وبعضَ أحلامٍ مكسورة
امزجها بحزنٍ صادقَكَ
يومَ ترككَ الرِفاقُ
واحدًا فواحدًا
وابتكرْ بمهارةِ مِعْماريٍّ
اكسيرًا
من حُبِّ البقاءْ ،
وفضاءً يتسعُ لبهجتِه.
جمِّدِ الزمنَ حتى أعود
قف هناك عنيّ
تحتَ قوسِ الباب
ولا
تدعهُ يمرُّ .
* كُتبَ هذا النصُّ قبل شهرٍ من وفاة الروائي الصديق سيد عبد الخالق إثر سماعي نبأ إصابته بالسرطان وأرسلتُ النص بالإيميل من الرياض إلى الشاعر عاطف عبد العزيز- الصديق المشترك.
" بنات الرب " – اقتباس من رواية سيد الأخيرة "كلُّ أبناءِ الرب"ِّ
****
خيطٌ رفيع ليتَهُ
غامرَ ،
وفضَّ أغلفتَها الملونةَ
إذن لتبدلَتْ أشياءُ.
الولدُ الخجولُ
الذِّي سيعتذرُ هذا العام
عن الثانويةِ العامةِ،
ستؤمئُ أمُّهُ باستسلامٍ
إذا استأذنها في جولةٍ صغيرة
فقط
لتهيئَ لنفسِها فسحةً
ترتِّب أحزانًا
تليقُ بامرأةٍ
سيأخذُ سرطانُ الدمِ ابنَها
بعد شهرين.
كان وجهُ البنتِ الذي باغتَهُ
عبرَ زجاجِ الحانوتِ الصاخبِ
ما جعلَهُ يشيرُ
–عرضًا –
إلى اسطوانةٍ
ثمَّ اسطواناتٍ
ستنامُ منكفئةً على أسرارِها
فوقَ رفِّ خزانتهِ .
كان وجهُها
ما جعلَهُ يقفزُ إلى الطريقِ مرتبكًا
بعدَما أسقطَ على الطاولةِ
هاتفَهُ في قصاصةٍ
كي يتراكمَ الرنينُ
على حوائطَ
تدرَّبت على التحديقِ صوبَ امرأة
في حِدادِها.
................
"تأخرتِ يا بنتُ !
لمحتُ صوتَكِ يسيلُ على وجههِ النائم
وكان عليَّ رفعُ صورتِك من عينيه
لأغمضَهما
فيمشي إلى غايتِه."
****
رقعةٌ صفراء أخلعُ حدقتيَّ
كلَّ مساءٍ ،
أمسحُ العدساتِ برُقْعَةٍ
من جِلدِ ظَبيٍ
طاردَهُ قنَّاصٌ
قبلَ شهورٍ ثمانية.
حتى الدَغْلُ الكثيفُ
إصرارُه على الفرارِ
تحوُّرُهُ
ليحاكي لونَ الشجر،
لم يخدعْ مِنْظارًا
تمرَّسَ القَنْصَ
مُذْ كانَ ذَرَّةَ رملْ.
لماذا إذن
تُباغتُني الدَهْشةُ ذاتُها
كلمّا نضوتُ الغبارَ عن نظارتي
برقعةٍ صفراءَ
تَحْمِلُ
كلَّ هذي الكبرياءْ.
الرياض / 5أبريل 2002 ****
عندَ أطرافِ الأصابع شجرةٌ طيبة
غادرتِ الألوانَ في مساءٍ قريب
كَرْمَشَتْ أوراقًا لامعةً
ثم نَفَضَتْ هدايا السماءِ
فوقَ وسائدِ الأطفال.
هي الشجرةُ التي
تحفظُ الأرقامَ جيدًا
ولا تُخادِعُها الفصولْ.
قريبًا
ستطاردُ فراشاتٍ
تنامُ فوقَ صَفحتي
فَتَفِرُّ إلى البَعيد
و تسيلُ النهاياتُ
على حَوافِ الأمْكِنة.
هناك
حيثُ الحقولُ لا تعرفُ الأسماءْ
تتأرجحُ سلةٌ
تحملُ ذاكرةَ الأقنعةِ
و لا تقترحُ بدائلَ.
سلةٌ عادلةٌ
ترفعُها أيادٍ صغيرةٌ
ثمَّ
تقذفُها إلى الأعلى.
شجرةَ الميلادِ الطيبة
أمهليني بعضَ الوقتِ
ثمةَ مهامٌ صغيرة
أحرى بها أن تؤدى.
القاهرة/ يناير 2002 ****
ربما … حيثُ البُعدِ الرابع شرفةٌ تقتسمُ وحدتي
ولا تأتي بجديدٍ،
سوى جبلٍ ينحني
ليلَّوحَ طفلاي من فوقه
ثمَّ لا يبخلُ بحصواتِه الصغيرةِ
على جيوبِهم.
الأرقُ الجميلْ،
و حُلمٌ
أن أغدو راهبةً
لولا كراهةَ الرماديِّ.
طبيبٌ صافحَني في حرارةٍ
ثمَّ نسبَ الأمرَ كلَّه للاكتئاب،
ونسى الفروضَ التي تدفعُني
أن أفرغَ جوفي كلَّ يومٍ .
رجلٌ
يرفعُ نظارتَه
كي يرتَّبَ الحروفَ في صحافي
ثمَّ يجعلني
أُنقَّبُ عن امرأةٍ داخلي
كلَّ مساء.
البيتُ الجميل
الزوجُ الطّيب،
وبراءةٌ في عيونِ الصغار،
و أشياءٌ كثيرةٌ.
الحياةُ مسألةٌ أخرى.
الرياض / أبريل 2002 ****
نفايات في أركانِ الغُرفِ
فوقَ طاولاتِ المطبخِ
أسفلَ المكتبِ
تحتَ طلاءِ أظافري ،
ليَ الآنَ جدًّا
أن أُلمْلِمَها جميعًا
أوراقي المبعثرةَ
على نحوٍ فوضوي.
حتى القصائدُ التي
– - عرضًا
تكاثفتْ
فوقَ مرآةِ المِصْعَدِ
وزجاجِ السيارةِ .
و الحروفُ التي تسربتْ من ثوبي
على شراشفِ المَقْهى يومَها.
سأمْحُوها جميعَها
و أعيدُ تنظيمَ الفراغاتِ
على نحوٍ يليقُ
بمهندسةٍ معماريةٍ سابقة
اكتشفتْ فجأةً
أن أبجديتَها
التي ازدحمتْ بها الأمكنةُ
لا تناسبُ أحدًا.
الرياض / 7 مايو 2002 ****
صيرورَة لمحةٌ سريعةٌ للمرآةِ تكفي
لأتعلّمَ
أنَّ صفقةً وشيكةً
أحْرى بها أن تَتِمَّ،
أن عيونَ الأطفالِ وحدَها
تعكسُ المرئياتِ
بشكلٍ طبيعيٍّ ،
ثَمَّةَ مُدُنًا
لا تحوِّلُ الأراضي الفضاءَ
إلى خراباتٍ
فقط
لتُعْلنَ عن وجودِ بشرْ.
نظرةٌ وحيدةٌ تحكي
كيف انصهرَ داخلي
أَمسَى جسدي مُجَوَّفًا
مَحشوًّا قشَّا و أرَقًا.
قريبًا
سأطالبُ بشيءٍ من الميتامورفُزيس
ألملمُ كلَّ زوائدي
أظافرَ ، أنوفًا وأقلاما
أحوِّرُها
جَناحَيْنْ.
الرياض/20 أبريل 2002 ****
تفاصيلُ منسيةٌ تفككتْ إشاراتُ الاستفهامِ
حولَ مِعصَمي
لتتمردَ تفاصيلُ كثيرةٌ
- عاشت العُمرَ في مأمنٍ من إدراكي-
تستبدلَ حِيادَها
بحدقاتٍ مفتوحة.
كيف لم تُلفتْني
جُملةُ طفلي التي
لم تستقمْ
و لا شَعرُ أخي
الذي اِبيضَّ في العاشرةِ
ثمَّ انتظمَ سوادُه في الأربعين ؟
حتى البحرُ
الذي يملأُ يودُهُ الآنَ رئتي
أبدًا
ما كانَ هناك!
الثالثةُ
والشرفةُ لم تزلْ في الدَّورِ الرابعِ
مع هذا
أجلسُ في ذاتِ الكرسيِّ
أمامَ النارجيلةِ ذاتِها
الكتابِ ذاتهِ
والسأمْ.
النارجيلةُ
تبدِّلُ ماءَها ثلاثَ مراتٍ في اليوم ،
فقدتُ ثلاثةَ أضراسٍ في أسبوع
ويقولُ زجاجُ الشرفةِ
أنَّ وجهي
ازدادَ نحولاً بلا أضراسٍ
و جَمالاً !
في الثالثةِ
بعدَ منتصفِ الثلاثين
قبلَ الفجرِ بقليل
و بعدَ العودةِ من أُمسيةٍ شِعريةٍ
من منسوبِ الرابعِ والربعِ ببنايةٍ شاهقةٍ
تحملُ سوقًا بشريًا على أرففِها ،
وحواديتَ
طالعتُ صورتي في جريدةٍ تصدرُ غدًا
ثمَّ اكتشفتُ شيئًا مُهِّمًا للغاية :
زجاجُ الشرفةِ
يحملُ بقعًا كثيرةً
وأكاذيبْ.
حيّ المربع - الرياض/ مايو 2002 ****
لكي لا يتمتموا عنَّا بقلمِ فحمٍ صغيرٍ
سأخُطُّ قطارًا
لا يتلكأُ
- كعادتهِ -
أمامَ شُرفتي
فيضجرَ السكونَ المستطيلَ
والأرقْ.
سيحملُ الفكرةَ في أركانِه
راكبيه الصامتين
أزرقَهُ وأخضرَهْ
ويمضي
غيرَ عابئٍ
بكرزةٍ مهملةٍ جوارَ الحائطِ
أتلفتْها السناجبُ
بأسنانِها الباردة.
يعلمُ فوقَ ما ينبغي !
فقد رأى الرجلَ الذي
خرجَ من دنيا الله
يملكُ أصابعَ عاريةً
و امرأتين .
الرجلَ
الذي أشاحَ
فيما أدسُّ تحتَ دواسةِ البابِ
تاريخي
كي يمرَّ يومًا
إذا هدَّهُ التعبْ .
كتبَ صفحةً وحيدةً
ثم أوغلَ في الموتِ
والحياة.
قطارً قديمًا
في الركنِ السفلي
ودوائرَ متقاطعةً كثيرةً
سوداءَ
ليتعثرَ في دُخانِه
و يمشي
بغيرِ أن يتمتمَ
عني
أو
عن نبتتي.
القاهرة / أغسطس 2002 ****
قبلَ أن يهبطَ الحكماءُ ...من الأوليمب
عشرونَ عامًا
لا أقلَّ
لتُثبِتَ براءتَك
أو
تكتمِلَ التجربةُ على نحوٍ مقبول.
العقلاءُ هؤلاء
يُدخِلونَ الداتا في الحاسوبِ
فتحلِّلُ الأدمغِةُ شَفَراتِ الحُبِّ
بدلالاتِ نيوتن.
لن يروقَ للنقاَّدِ هذا.
إذن
بتعبيرٍ انفتاحيٍّ بريءٍ من الذهنيةِ
أقولُ :
تحلِّلُ الأدمغةُ شفراتِ الحُبِّ
بقانونِ سوقِ المال
فالحُبُّ
لُعبةٌ برِجْماتيَّةُ
وللقُبْلَةِ مُبررُها.
أمّا سؤالُ الحكيمِ :
" لماذا نُحِبُّ العالَم ؟ "
فلا محلَّ له
من" التعريب " !
لذا
كان من الضروريِّ
التعاملُ مع حُبٍّ مباغتٍ كهذا
بشيءٍ من الارتباكِ
يعقبُهُ تعديلٌ في البرمجةِ الدماغيةِ .
وفي المقابلِ
ثّمَّةَ تقوقعٌ مستأنَفٌ
ووشيك
للميكروبِ الدَخيل ،
المسكينْ !
الذي جَربَّ أن يُصادِقَنا
سعىَ لاختراقِ ثغرةٍ في جدارِنا
الرباعيّ جدًا
الآمن .
أو ربما
حاولَ تجنيدَنا
لأغراضٍ استعماريةٍ ،
خائبةْ.
كلُّ شيءٍ على ما يرامْ
كلُّ شيءٍ تحت السيطرةِ
نحن
والحمدُ للهِ
منتبهون.
القاهرة /8 يوليو 2002 ****
وخامسٌ... لا يتكلم
الآخرونَ
في المدينةِ البعيدة
يسعونَ من شقوقِ الزوايا
يُلَمْلِمون أقلامَنا
وبقايا عظامٍ سقطتْ من أصابعِنا
فوق طاولاتِ المقاهي.
****
كأني لمحتُ
في عيونِ هذا المهرِ شيئًا
يشبهُ التأثر.
****
لو !!
تتجمعُ الطرقاتُ جميعُها
تعصرُ الخطواتِ المُتعبةَ
فوقَ سطوحٍ أضجرَها الحياد !
****
إلى متى
تتركُ عبثَ أُغنياتِكَ
يتلصصُ عبرَ شقوقي
يشدُّ الوحدةَ من جدائِلِها
نحوَ مَغفرتي؟
****
في غُرفتي
أربعةُ حوائطَ صامتةٍ
وخامسٌ
لا يتكلمْ.
****
أهداني كفافيسَ
وانتزعَ منيِّ
العامريَّة.
****
للكهولةِ ذاكرةٌ
تهدهدُ الدُمى
فوقَ شرائطَ ملونةٍ
عقَصَتْ ضفيرتي.
****
قلمٌ في يسراي
والصفحاتُ هناك
لا تلهثُ لكنْ
تحدجُني ببرودٍ
تحتَ رتابةِ المصباح.
****
العقرَبُ الدؤوبُ
يُغافلُنا في الليلِ
وينامُ أيضًا.
****
هذا الكوخُ على الحائطِ
لابدَّ له بابٌ
يفتحُ ما لن أراه.
****
شخبطاتي الأولى
دوائرُ
احتوتِ العالمَ
وضوحُ الرؤى
أتلفَ جرأتي.
****
يومُ المريخِ بثمانٍ وثمانينَ أرضيّ
هل يمكنُ لحقيقةٍ كتلك
أن تقدِّمَ حلاًّ
لمشكلةِ انشغالِكَ عني.
****
يخطُّ دائرةً
على حائطِ غرفتِه
طفلٌ
ستستقيمُ خطوطُه
حينَ يفسدْ.
****
العيونُ البُنيَّةُ
تعلمَّت الانكسارَ
بعد أن جربَتْ
قراءةَ الزجاجِ
فوقَ أنفك.
****
هاتِ خاتمَكَ الذي
تحَّورَ إصبعي عمرًا
ليشاكلَه.
****
قُبلَتي الأولى
أطلقْها من شفتيك
علَّها تجرِّبُ
أراضٍ جديدة.
****
رأيتُها تبكي يومَ المحاكمةِ
مع إنهَّا
لم تعي كلمةً من دِفاعِه الطويلْ
رأيتُها تبكيه اليوم
امرأةَ سقراط.
****
شجرةَ الأقدارِ البديلةِ
لم تترفقي بي.
****
ما كانَ لكَ
أن تخبئَهُ عني
ربيعًا محتملاً
ثمَّ تهدينيه
وقتَ زحفَ الخريفُ
فوقَ ربوعي.
****
ليستْ سوى
دعاباتٍ ملونةٍ
يبتكرُها ساحرٌ صغير
يضئُ فوقَ كفِّكَ.
****
التوافيقُ والتباديلُ جميعُها
تؤدي إلي معادلاتٍ مغلوطة.
****
ربما
في تناسخٍ آخرَ
في بُعْدٍ رابعٍ
التقينا
وجعلتَ من جنونِ العامريةِ
مَهدًا لقصائدِك.
****
أتخفَّى من السابلةِ الذّين
أشباحُهم
لا تنظرُ للوراء
يُضمّدونَ الطرقاتِ التي
أجهدتها الأقدامُ
بينما عيونُهم
تفرُّ نحو سماءٍ
مجَّتْ رتابةَ الأشياء.
****
بما أن :
العذراءُ نسيتْ في المحرابِ شيئًا … (1)
تواريخُ الميلادِ مغلوطةٌ جدًا … (2)
والتوزيعُ الجغرافيُّ للجامعاتِ
حماقةٌ كبري … (3)
إذن :
الأشياءُ كلهُّا
ليستْ في مواضعِها بالتأكيد
… هـ ط ث.
****
ماذا لو
أتيتني غدًا
لتكنسَ الليلَ الذي
يربضُ تحتَ نافذتي كلَّ صباح !
****
قصفَ قلمي
و صالحني
بدفاترَ بيضاء.
****
افحصْ بريدَكَ
ربما يحملُ قرارَ زنبقةٍ
تمردت على الأركانِ المظلمةِ
فرَّتْ إلى حيثُ أصقاعٍ
أكثرَ رحابةً
أسطعَ ضوءًا.
****
يا فتى
نقوشُك على جُدُر المعبَدِ
شكلت قصائدَ
لا تحملُ ملامحي.
****
أنسَكِبُ في محبرتي
كلَّ ليلٍ
ثمَّ أخرجُ عصفورًا
يتعلمُّ البداهات.
****
على عجلٍ
نراجعُ دروسًا
أفلتتْ من ذاكراتِنا
ثم ننظرُ إلى الأعلى
في انتظارِ المخلِّص.
****
يبدو أني سأنتظرُ طويلاً
حتى ألتقطُ موجةً
تناسبُ سمعي.
****
المشكلةُ
أن القلمَ الذي تركتُه
فوقَ المكتبِ منذِ شهرٍ
مازالَ هناك.
****
الراهبُ الذي
دلفَ من رواقِ كفافي
ثمَّ
صفقَ البابَ
في وجوهِنا.
****
ربما واتتني الشجاعةُ يومًا
و نفضتُ فوق رأسِكَ
ذاكرتي كلَّها.
****
يا من تقرأني الآنَ
لا تصدق حرفًا
فكما تعلمُ
الشعراءُ كذَّابون.
****
الوسادةُ المبتلةُ
وحدَها لا ترى
أقنعةَ النَّهارْ.
****
الريشةُ التي
رسمتْ وجهَكَ على نحوٍ
لايناسبُ قداستَه
أحرى لها
أن تنتحِر.
****
زجاجُهُ الذَّي
انسكبَ في عيوني
لوَّنَ الأشياءَ
ثمَّ
مزَّقَ شَبَكْيَتي.
****
القمرُ الذّي
يغادرُنا غاضبًا كلَّ نهارٍ
يقضي قيلولَتَهُ
ناثرًا فضائحَنا
على المجرَّاتِ الأُخَر.
****
نكتبُ الشعرَ
لأننا
لمْ نتعلمْ شيئًا أفضلَ.
****
جدولَّةُ الفروضِ
حساباتُ البدائلِ
أرشَفَةُ الأحداثِ
ثمَّ
غربلَةُ غيرِ الممكنِ
عن
غيرِ الممكن
تلكَ طقوسي الصباحيةُ التي
تؤديها يقظتي التامَّةُ
أثناءَ غفوتي.
****
ليستْ من البديعِ في شيء
أو مسّرحةً
كما قالَ أحدهم يومًا
مُعتمرًا قِناعَ الواقعيةِ
فقد رأيتُ المجازاتِ
تتحركُ على قدمين.
****
اندهشَ طفلي كثيرًا وقتَ تنبَّه
أني لا أكتبُ باليُمْنى
بينما اندهشتُ
لماذا لم أُورِثْهُ
هذه النقيصةَ أيضًا !
****
الإفريقيَّةُ التي
هندستْ فوضانا
بلسانٍ فرنسيٍّ،
سيدتي..
الفوضى أبجدياتٌ عربية .
****
لمْ آخذَ اليومَ
جرعتي الضروريةَ
من صمتِكم .
****
حاصرتْ براءتُهُ
يقيني
أمامَ الجزيرةِ
حينَ التقطتْ عدسةٌ
رصاصاتٍ ثلاث
في بؤرتِها
"إسعافَ يا الله"
........
تلقَّف َالصغيرُ عينيَّ
ثمَّ توحدّنا في شرودٍ
يراجعَ البداهاتْ.
****
"آيـات"
التي طرحَتْ من عمرِها
ثمانيةَ عشرَ عامًا
أشهرتِ الصِّفرَ صريحًا
في وجهِ صهيون.
****
الذينَ أحببتُهم جدًا
و رحلوا مرةً
لن تُفزعَني مُجددًا
فكرةُ رحيلِهم.
****
أقفُ في السماءِ كلَّ صبحٍ
أغالبُ الضَحِكَ الذِّي
يباغتُني كلمَّا
رمقتُ البشرَ هؤلاء
مرصوصينَ في أدراجٍ
على نحوٍ منتظم
ربما لأنني حتى الآن
لم أجدْ دُرجًا
يلملمُ عُريي.
****
للنافذةِ الشرقيةِ
ذاكرةٌ
طولُها تسعةُ أمتارٍ
و عمقُها
اثنانِ وعشرينَ عامًا.
****
تعلمتُ من الرياضياتِ شيئًا :
الحروفُ تكذبُ دائمًا
أمَّا الأرقامُ
تكذبُ أيضًا.
****
شظايا البللورِ التي
لملمتُها من بقاعٍ كثيرة
سأعلمُها الأسماءَ كلَّها
أدفنُها فوق السطوحِ
ثمَّ
أفتشُّ عن جيبٍ منسيٍّ
في حقيبةِ العجوزِ
المسافرةِ في رحلةٍ أخيرة.
****
وجهُ بوذا الذَّي
تفقدتُه ربعَ قرنٍ
حتمًا
لن أجدَه لأنه مات.
****
عندما يقولُ لكَ الشاعرُ
" رأيتُ الشمسَ ضاحكةً "
لا تصدقْهُ
ليس لأن هذا مجازٌ
ولكن لأن الشمسَ
لا تضحكْ.
****
فقط لو حَذَّرْتِنِي "سيبيل"
قبلَ أن أُوقِّعَ
هذا العَقْدَ
ما استدرجني "أبولو"
نحوَ الخلودْ.
****
المقالةُ
لا تحوي سوى بديهياتٍ
و لذلك
أعدتُ قراءتَها
للمرَّةِ الألفْ.
****
السَريرُ الذّي تحوَّلَ
بمضي الوقتِ
إلى مَكتبةٍ مرتبكةٍ
لن يجِدَ ما يحكيه لأصدقائِه.
****
جذوعُ الأشجارِ التي
طالبتْ بمفرداتِها
في ساحةِ قضاءٍ عادل
سوف تتركُنا ذاتَ يومٍ
بلا مناضدَ أو أسرَّةٍ.
****
الطابيةُ المحترمةْ
ضاقتْ بقفزاتِ الحِصانِ حولَها
فانتحرتْ.
****
تكلمتُ ولَمْ يرَني
لَمْ يرنَي !!!
يا سقراطُ يا كاذبْ!
****
المنتحرونَ البلهاء
يعودون بأثوابٍ جديدة
وضحكاتٍ مرتبكة.
****
غدًا أعترفُ لك
أني لم أحبّك
فقط لو جاء الـ "غدًا ".
****
البوهيمية القديمة
أخفقتْ في الرقصِ فوق الماء
تجرِّبُ خطواتٍ مبتكرة
في الهواء.
****
وسامتُكَ مُكرَّرةٌ جدًّا
لحدِّ أن أرصدَ ملامحَكَ
في كلِّ وجهٍ أراه.
****
اتبِّعْ تعاليمَ طاغور
ودَعْ أنفى
أو رئتيَّ.
****
قال قّيْس :
" يا وَرْدُ ، أحبُّ نصفَ العامرية"
فأخذَ نصفَها وسافرَ.
****
حِصانان وطابية !
لا يكتملُ الدَورُ أبدًا
لابد من وجودِ فارسٍ قديم.
****
لن أمارسَ طَقسي المسائيَّ
في غسلِ عيني من وجهِكْ
سأدعه يسقطُ من تلقاءِ ذاته
خلف الشبكية.
****
الروحُ التي صنعاها
في لقائهما الأول
قبل ميلادي ٍ
لم تكن لي
اقتنصتها روحٌ تأتي بعدي
ما هذا العبث التواريخي ؟
****
على نحوٍ يقظ
أتتبَّعُ بمِضرَبِ الذُّبابِ
أحلامي المتسربةَ من الشقوق
لئلا يفرُّ أحدها.
****
أنتظرُ صامتةً
ريثما ينتهي جامعُ الفراشاتِ
من تثبيتِ جناحيَّ في ألبومِهِ
حتى أطيرْ.
****
فراغُك
الذي خلفَّه رحيلكَ عني
قال كلمةً صغيرة
ثمَّ مضى أيضًا .
****
: أغنياتُ الغجرِ ؛
صلواتُ الأقحوان ؛
بوذا والمسيحُ ،
في جعبتي
أوهامٌ كثيرة
و بعضُ مناديلَ ورقيةٍ.
****
الوقتُ
الذي كان يسيلُ بطيئًا
من فوهةِ التحديقِ
سئِمَ
وتوقفْ .
****
الواقفونَ تحتَ نافذتي
منذُ عشرينَ سنةً
يرفعون إليكَ قبَّعاتِهم .
****
