بسم الله الرحمن الرحيم

أولا ً : ماذا يقصد بظاهرة "النينو" ؟

" النينو " ظاهرة مناخية تحدث كل ثلاث سنوات نتيجة تسخين القسم الشمالي من المحيط الهادي وتتسبب في تبدلات مناخية في كل الكرة الأرضية تتمثل في الجفاف والفيضانات وتدمير المحاصيل الزراعية .

وإذا أردنا أن نتعمق في تفسير هذه الظاهرة والتي تعتبر أضخم ظاهرة تشهدها الكرة الأرضية خلال السنوات الأخيرة من القرن العشرين وخاصة في المحيط الهادي ، كما بمكن فهم آلية عمل هذه الظاهرة بسهولة فهي باختصار " مجموعة من التيارات المائية الدافئة تحفظها الرياح في القسم الغربي من الكرة الأرضية ومن ثم تنفلت هذه التيارات بسبب ضعف الرياح وتتجه نحو سواحل أمريكا الجنوبية مسببة تغيرات مفاجئة في الطقس 

ثانيا : لماذا سميت هذه الظاهرة باسم " النينو " ؟

أول من أطلق هذا الاسم هم صيادو الأسماك " البيروفيين " وتعني هذه الكلمة باللغة الأسبانية " المسيح الطفل " أما في جنوب وشرق آسيا فيطلق عليها اسم "طفل المناخ الشقي " وسميت بالمسيح الطفل لأن صائدي الأسماك في بيرو لاحظوا تزامن حدوث هذه الظاهرة في أعياد ميلاد المسيح عليه السلام ،مما يسبب انخفاض في معدل صيدهم بشكل كبير .

ثالثا : هل هناك ظواهر أخرى تشبه هذة الظاهرة ؟

توجد هناك ظاهرة مناخية مشابهة " النينو " وهي ظاهرة  "النينا " وهي الشقيقة الصغرى "للنينو" ولكنها تختلف عنه في إنها أخف منه قوة ولها إيجابيات عديدة وخاصة على المحاصيل الزراعية ، وتحدث في بعض جزر إندونيسيا ونيوزلندا ويمتد تأثيرها إلى استراليا .

                                                                       يتبع …2

كما ظاهرة أخرى تدعى بظاهرة " الناو " الذي يشابه في نشاطه ظاهرة " النينو " ولكنه يتمركز فوق شمال المحيط الأطلسي وتعرف بـ " تقلبات شمال المحيط الأطلسي " " ناو " اختصارا لـ

north  Atlantic  oscillation “ 

رابعا : كيف تحدث ظاهرة  "النينو" ؟

لقد جرى تحميل هذه الظاهرة كل ما يقع من حوادث على كوكبنا ، وقد بلغت قيمة الأضرار التي خلفتها في عامي 1982 و 1983 ما بين 5ـ8 مليارات جنية إسترليني ويتوقع أن تتضاعف هذه المبالغ نتيجة تزايد تأثير" النينو " ولكن السؤال الملح دائما : ما هي طبيعة هذه الظاهرة ؟

يمكننا أن نفسر ذلك بأنه عندما تهب الرياح العاتية باتجاه الغرب عبر المحيط الهادي في المنطقة الاستوائية فإنها تحرك المياه السطحية باتجاهها نفسه وهذا ما ينجم عنه ارتفاع مستوى الماء بمعدل نصف متر عند شواطئ إندونيسيا وأمريكا الجنوبية ، وحينئذ تكون هذه المياه الباردة حافلة بالمواد المغذية التي تساعد على ازدهار الحياة البحرية ، مما يساهم في تعزيز صناعة الثروة السمكية في كل من الإكوادور والبيرو .                                            

وفي هذة الأثناء تسخن المياة المتحركة نحو الغرب بواسطة أشعة الشمس وتتشكل مسطحات مائية ساخنة غربي خط التوقيت الدولي ، وتكون درجة هذة المسطحات المائية أعلى بـ 3 أو 4 درجات من حرارة مياه المحيط في الطرف الشرقي ، في حين يكون الهواء المرافق لهذه التيارات المائية مشبعا بالرطوبة نتيجة جريانه فوق المحيط لمسافة طويلة، وعندما ترتفع تلك التيارات في طبقات

الجو فوق المسطحات المائية الدافئة تسبب العواصف الرعدية والفيضانات في جنوب شرق آسيا .

ويعتبر ترافق الماء الدافئ والهواء الصاعد باتجاه الأعلى في الجزء الغربي من المحيط الهادي إحدى القوى الدافعة نحو التغيرات المناخية في العالم ، وعندما تتحرك هذه القوى أو يتغير شكلها تحدث أمواجاً وتقلبات في النظام الجوي ،مما يؤثر بدوره على أنظمة المناخ في أنحاء العالم كافة .

                                                                   يتبع … 3   

خامساً : ماهي نتائج حدوث هذه الظاهرة على كوكبنا الأرض

هناك نتائج عديدة لهذه الظاهرة على الأرض ، فطبقاً لما أعلنته الإدارة القومية الأمريكية للمحيطات                                                              

والبيئة والمكتب الأمريكي لتقديم المساعدات للمنكوبين فإن ظاهرة النينو أضرت بالدول الفقيرة ، كما إن قدرتها على التدمير مذهلة ، حيث أنها أدت إلى جفاف نهر "فلاي" في " بابو غينيا الجديدة مما أدى إلى إلغاء جميع المرافق التي تعتمد على الطاقة المولدة منه ، أما في تنزانيا وهي من أفقر دول أفريقيا فقد أدت الأمطار الغزيرة إلى تحطيم شبكة السكك الحديدية في واحد من أسوأ الفيضانات التي شهدتها البلاد منذ قرن ، مما أدى إلى عرقلة شديدة لنقل القهوة والقطن والكاكاو إلى الأسواق الاستهلاكية وتباطأت عملية إرسال مواد الإغاثة والمؤن إلى اللاجئين في غرب تنزانيا . وتتوقع وزارة الزراعة في كينيا أن تؤدي الأمطار غير الموسمية التي سببتها ظاهرة النينو إلى انخفاض في المحاصيل .

أما في شمال الصومال وشمال كينيا فهناك بعض القرى انعزلت عن العالم لعدة أسابيع بسبب الأمطار التي بدأت في شهر ديسمبر ، وفي بقاع أخرى من العالم تعرضت عدة بلدان في العالم للكوارث منها ماليزيا التي دمر 50% من إنتاجها من الكاكاو .

ولا يتوقف تأثير ظاهرة النينو على فقدان المكاسب والأرباح فقط ،بل لعبت دوراً فاعلاً في نقص الأغذية مما أدى إلى إرتفاع أسعارها مما أدى إلى حوادث شغب وعنف في دولة مستقرة مثل أندونيسيا والتي غيرت من نظامها السياسي وإقالة رئيسها "سوهارتو "

ويقول العلماء بأن النينو ظاهرة يصعب توقع حدوثها مسبقاً ، ويقول البرو فسور "جوني  شان " من جامعة هونغ كونغ " عندما ندرس تاريخ الظاهرة يبدو لنا أنها بلغت أوجها لكن الأحداث المرتبطة بالنينو جميعها متباينة مثلها مثل الكائنات البشرية قلما تجمع بينها مواصفات مشتركة "

ومن النتائج المرتبطة بالنينو مشكلة الجفاف في جنوب شرق آسيا ففي الفلبين أعلنت الحكومة وفاة 26 شخصا بسبب المجاعة التي تهدد أيضا مليون شخص آخر في إقليم مينداناو الجنوبي .

                                                           يتبع … 4

ويعتبر نحو 90 % من الأرخبيل منطقة منكوبة إذ أن معظم الأقاليم لم تتلقى سوى نصف المعدل الطبيعي للأمطار ، وترى تايلاند أن الحرارة المصاحبة لظاهرة النينو هي المسئولة عن انتشار حمى "الضنك" التي تقل بواسطة البعوض والتي أودت بحياة 178 عام 1997 م .

لكن الصين وهونغ كونغ تأثرتا بطريقة معكوسة من الأمطار الغزيرة والتي مازالت الصين تعاني منها وقد فقد وتضرر ملايين الأشخاص وخسرت مليارات الدولارات .                                                                                                                         

سادساً : ما الفرق بين ظاهرة "النينو" وظاهرة "الناو" ؟

يعتقد علماء المناخ والأرصاد الجوية المتخصصون بدراسة الأحوال المناخية في المحيط الأطلسي أن هناك ظاهرة مماثلة للنينو تحدث في المحيط وأخذت تزداد وضوحاً في السنوات القليلة الماضية " بتقلبات شمال المحيط الأطلسي "ناو"  (north Atlantic oscillation  وهي

مرتبطة بكل المتغيرات التي تحصل في المحيط  بدءاً من الأمطار التي تسقط فوق مدينة بوردو الفرنسية إلى الأعاصير الحاملة للرمال فوق الصحراء الكبرى والتي تصل إلى جزر الباهاما وصولاً إلى الأسباب التي تجعل سواحل جزيرة أيسلندا بثروتها السمكية ، وتؤثر هذه الظاهرة أيضا   على جريان البحار عند التخوم الشمالية للمحيط ، كما أنها تترك بصماتها على شكل أعاصير حلزونية ضبابية تسود مناخ الجزء الشمالي من المحيط ، إضافة إلى إنها تؤثر فعليا على معدلات الحرارة في أنحاء العلم كافة مثلما شهدت مناطق كثيرة من العالم هذا العام .

وفي عام 1996 قام الباحث "جيم هوريل " في كولورادو بإجراء بحث مناخي أثبت فيه أن كل المواسم الشتوية المعتدلة ، التي حصلت في أوروبا وآسيا ترجع أسبابها إلى ارتفاع الحرارة على كوكب الأرض والذي لعبت ظاهرة "ناو" دوراً كبيراً فيه ، وكانت النتائج كافية لكي تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم الدعم الكامل للباحثين في مجال ظاهرة "ناو" .

ويعتبر التنوع الطبيعي للمناخ واحداً من المسائل المعقدة التي لم يتم إيجاد جواب شافي لها حتى الآن .

                                                     يتبع … 5

سابعاً : كيف تتنوع الظواهر المناخية ؟ وما هي المدة التي يستغرقها هذا التغير ؟ وما شدته ؟

       يفسر هذا التقلب الطبيعي بعض أسباب ارتفاع درجات الحرارة للأرض فيما يعرف بالانحباس الحراري وفي الوقت نفسه ربما يزيد هذا التقلب من غموض ظاهرة الانحباس الحراري وربما يكون التقلب ذاته واقعاً تحت تأثير الدفيئة أو "البيت الزجاجي" ويتحرك طبقاً لتأثيرها عليه .

وتبقى ظاهرة "ناو" أحد أهم هذة التقلبات وأشدها إثارة للاهتمام اذ أن أنشطتها وأثارها البعيدة الأمد أصبحت أكثر وضوحاً في القرن الحالي كما إنها لعبت دوراً بارزاً في رفع درجة الحرارة خلال                                                                  

فصل الشتاء في أوربا منذ بداية العقد الحالي .

  ثامناً : كيف يمكن قياس نشاط الـ "ناو" ؟

       يمكن ببساطة قياس نشاط الناو باحتساب الفرق في الضغط بين منطقتي آزوس وأيسلندا .

وقام علماء الأرصاد الجوية في النصف الأول بتشكيل عدد من المؤشرات لذلك الغرض ويقيس المؤشر الجنوبي الفرق في الضغط الجوي بين جزيرتي داروين وتاهيتي لاحتساب المكونات المناخية لظاهرة النينو .

أما بالنسبة لناو فهناك مؤشر كبير على وجود الضغط الجوي المنخفض حول أيسلندا و الضغط الجوي العالي قبالة البرتغال و هذه الحالة تؤدي إلى ظهور الرياح القوية المتجهة نحو الغرب وفي فصل الشتاء ، عندما تكون ظاهرة "ناو" على أشدها فإن هذه الرياح تجلب معها الدفء من سطح المحيط إلى القارة الأوربية كالتي حدثت في هذا الشتاء في بريطانيا ، ولهذا فإن إرتفاع المؤشر يدل على جلب الدفء إلى شمال أوربا ، في حين يدل المؤشر المنخفض على هبوب رياح غربية خفيفة وبالتالي يسيطر المناخ القاري في شمال وشرق أوربا .

                                                              يتبع … 6

 تاسعا : هل يمكن التنبؤ بظاهرة النينو أو الناو مستقبلاً ؟

      طبقاً لما يقوله العلماء فإنه من المستحيل التكهن بالتطورات الدقيقة لظاهرة النينو لفترة زمنية طويلة لان حالة الطقس فوق المحيطات وخاصة المحيط الأطلسي ، كما أن هناك فرق واضح بين بين ظاهرة الناو وشبيهتها النينو في النصف الآخر من الكرة الأرضية ، وتوحي التقلبات المناخية بعيدة الأمد بأن القضية هي أكثر من مجرد ظواهر مناخية عشوائية ، ومع انه يمكن الإطلاع على الأوجه المتقلبة للاحتمالات الجوية إلا أن العلماء يعتقدون إن ذلك غير كاف .

ويمكن ببساطة فهم عملية التبادل الحراري التي تحدث عميقا في المحيط الأطلسي ، فالمعروف أن الماء يغوص اسفلا عندما يكون بارداً وكثيفاً ، كما أن الرياح التي تهب فوقه دائما تؤدي إلى تخفيض درجة حرارته ، وعندما يكون نشاط الناو مرتفعا يرتفع نشاط الرياح  الغربية فوق سطح المحيط الأطلسي الجنوبي ولا يحدث الشيء نفسه فوق المحيط الأطلسي الشمالي فتصبح مياه جزيرة جرينلند دافئة وأقل ملوحة وأقل كثافة وهذا يفلل من عملية التبادل الحراري .

الخاتمة

تواصل ظاهرة النينو المناخية وشقيقاتها نشاطها في هذه الأيام ، حيث وصلت إلى أوج عنفوانها في البقاع الجنوبية من المحيط الهادي والمحيط الأطلسي وهي تعتبر أضخم ظاهرة مناخية متكررة تشهدها الكرة الأرضية خلال السنوات الأخيرة من هذا القرن إذ أن آثارها تنتشر في مختلف أنحاء العالم ونرجوا أن نكون قد وفقنا الله تعالى في إعطائكم ولو نبذة بسيطة عن هذه الظاهرة التي باتت تشغل بال الكثيرين منا سواء كانوا علماء أو مهتمين أو دارسين للأرصاد الجوية أو حتى حكومات الدول ، فهي بما تحمله من تدمير وأعاصير وإغراق للمحاصيل الزراعية وتشريد للمئات من السكان إلا أنها تجلب الأمطار للمناطق الجافة والدفء للمناطق الباردة وتساهم في خفض درجات الحرارة لبعض المناطق من العالم .

وتبقى ظاهرة النينو من الظواهر المحيرة للعلماء والتي لايمكن التنبؤ بها مسبقا .

المحتويات

                                                                    تم بحمد الله وتوفيقه   

المـقدمـة

إن من الظواهر الملفتة للنظر على كوكبنا الأرض في السنوات الأخيرة

من القرن الحالي ، والتي اهتم بدراستها كثير من العلماء ، حيث أنها هي

المسئولة عن الكثير من الحوادث على كوكبنا ، وخلفت الكثير من الأضرار

إنها ظاهرة النينو المناخية

فهي ظاهرة جديرة بالدراسة لأنها حيرت العلماء والمختصين بالأرصاد الجوية

وكذلك الحكومات ، لذلك أردنا أن نلفي بعض الضوء على هذه الظاهرة ونتعرف

عن قرب عليها عن طريق الإجابة على بعض الأسئلة عن هذه الظاهرة .

مثل لماذا سميت بهذه الظاهرة ؟ وكيف تحدث ؟ وكيف يمكن التنبؤ بهذه الظاهرة

مستقبلاً ؟ وغيرها …….

ولكن نظراً لقلة المراجع العلمية لأن هذة الظاهرة حديثة وتندر فيها المراجع والمصادر

فقد اقتصر البحث على بعض الدوريات والمجلات والصحف .

ولكم منا جزيل الشكر والامتنان

               معد البحث

قائمة المراجع

          1ـ مجلة العلوم والبيئة .. العدد ( 6893) .. أبريل 1998م .

         2ـ استراحة الجمعة .. العدد ( 6886)   ..   مارس 1998 م .

         3ـ جريدة الخليج    ..  العدد ( 7634 )  ..  أبريل  1998 م .

        4ـ جريدة الإتحاد      .. العدد  ( 1004 ) .. مايو   1998 م .