مقــدمــة في علــم الفيروسات  /  المحاضــرة 10أ   Introduction to Virology  /  Lecture 10a

تكملة الفيروسات النباتية

 

 

 

 

 

الاصابة المختلطة بالفيروسات وتأثيرها على النبات:

تحدث في الطبيعة إصابة النباتات بأكثر من فيروس واحد في آن واحد

هذا يسمى بالاصابة المختلطة Mixed infection

ويختلف تأثير هذه الاصابات المختلطة تبعاً لعوامل عديدة أهمها علاقة الفيروسات ببعضها البعض في الاصابات المختلطة، الظروف البيئية، ونوع النبات المصابة وفيما يلي خلاصة للمعلومات المتوفرة عن هذا الموضوع.

(أ)     الاصابة المختلطة بسلالات لنفس الفيروس:

من الظواهر المعروفة عن تأثير سلالات الفيروسات على بعضها البعض في عدوى النباتات ظاهرة المناعة المكتسبة Acquired Immunity  أو كما تسمى بشكل أعم ظاهرة التضادد أو الحماية المتبادلة Cross-protection وفحوى هذه الظاهرة أنه إذا لقحنا نبات معين بسلالةأ من فيروس معين، ثم لقحنا نفس النبات بعد مدة بسلالة ب لنفس الفيروس فان هذه السلالة الأخيرة ب لاتصيب النبات، أي ان النبات اكتسب مناعة ضد السلالة الثانية للفيروس. لقد كان مكيني أول من اكتشف هذه الظاهرة في عام 1939   حيث وجد بأنه عندما لقح نبات التبغ بسلالة من فيروس موزاييك التبغ التي تسبب أعراض الموزاييك الاخضر منع العدوى بسلالة أخرى لنفس الفيروس تسبب موزاييك أصفر بالرغم من تكرار تلقيح النبات بالفيروس الأخير. وفي عام 1931 أجرى ثانج نفس التجربة مستعملاً سلالة فيروس موزاييك التبغ التي تسبب أعراض الموزاييك الأبيض مع السلالة الاعتيادية لنفس الفيروس التي تسبب أعراض الموزاييك الاخضر وحصل على نفس النتائج التي حصل عليها مكيني. كما أجرى سلمان تجربة مماثلة على سلالات مختلفة لفيروس البطاطا إكس في نبات الداتورا وحصل على نتائج مشابهة للنتائج التي حصل عليها من سبقه. وقد دفعت نتائج هذه الدراسات الباحثين للأعتقاد بأنهم أكتشفوا طريقة مفيدة للتعرف على صلة القرابة الموجودة بين بعض الفيروسات. إلا أن الدراسات اللاحقة تثبت صحة هذا الاعتقاد بشكل جازم. لذا فان اكثر مايمكن قوله هو أن وجود ظاهرة الحماية المتبادلة بين فيروسين قد تعني وجود صلة القرابة بينهما ولكن عدم وجود هذه الظاهرة لايعني إنعدام صلة في الحقيقة هنالك تغاير كبير في شدة ظاهرة الحماية المتبادلة بين الفيروسات التي تربطها ببعضها صلة قرابة وقد قسم بنيت هذا التغاير إلى ثلاثة درجات من الحماية هي:

1-              درجة عالية من الحماية للنبات المصاب

2-              درجة متوسطة من الحماية للنبات المصاب

3-              درجة واطئة من الحماية للنبات المصاب

حيث ضمن الحالة ألاولى معظم الفيروسات التي تسبب الموزاييك والتبقع الحلقي مثل فيروس موزاييك الخيار في اللوبيا والزينيا وبعص سلالات فيروس التبقع الحلقي للتبغ وضمن الحالة الثانية فيروس البطاطا إكس الذي يتميز بمدى واسع من ظاهرة التضاد. أما الحالة الثالثة فيمثلها هوفيروس إلتفاف القمة لبنحر السكري والحقيقة لا توجد أدلة قاطعة على سلالة معينة من هذا الفيروس تضفي على نبات البنجر السكري أية مناعة ضد سلالتين أخرى.

إستعرض ماثيوس عدة إقتراحات قدمت لتعليل ظاهرة الحماية المتبادلة نذكر منها مايلي:

1-     أن أحد السلالات تستعمل جميع المواد الاولية التي تحتاجها السلالة الثانية للتكاثر إلا أن العديد من الدراسات التي أجريت في هذا المجال لاتتفق مع هذا الإقتراح لذا فهوغير مقبول.

2-     الإصابة بإحدى السلالات تؤدي إلى تكوين مواد في أنسجة النبات شبيهة بالأجسام المضادة التي تتكون في الحيوان نتيجة الإصابة بجرثومة معدية. ولقد تم عزل بعض المواد المثبطة للفيروسات من الأوراق المصابة بالفيروس إلا أنه ىتوجد أية أدلة تشير إلا أن لهذه المواد علاقة مباشرة أو غير مباشرة بظاهرة الحماية المتبادلةهذا بالإضافة إلى عدم وجود جهاز معين في النبات لإنتاج الأجسام المضادة.

3-     إن كتل الفيروسات الموجودة داخل الخلية المصابة لها خاصية إدمصاص تجعل فيروسات السلالة الثانية الداخلة إلى الخلية أن تلتصق ببعض هذه الكتل وبذلك تكون غير قادرة على التضاعف أو التكاثر ورغم أن هذا الإقتراح أكثر الإقتراحات تقبلاً إلا أنه يستدعي إفتراضات معينة يصعب إثباتها فمثلاً يفترض في الفيروس الثاني الداخل إلى الخلية أن يبقى متكاملاً بعد دخوله الخلية المصابة بالفيروس الأول وأن يتحرك داخل الخلية لحين إلتقائه بالكتل للفيروس الأول لكي يلتصق بها.

4-     السلالة الثانية الداخلة الى الخلية المصابة تندمج عواملها الوراثية مع العوامل الوراثية للسلالة الأولى الموجودة في الخلية عن طريق إنعزال وإعادة ترتيب العوامل الوراثية أثناء عملية تكاثر الفيروس. ولقد قدم هذا الإقتراح من قبل ليست 1954، لتعليل الحماية الجزيئية وظهور سلالت جديدة لفايروس الذبول المبقع لنبات الطماطم وقد يتضمن هذا الإقنراح مايعلل الحماية المتبادلة في حالة الفيروس المذكور إلا أنه لايوفر التعليل الكافي لجميع المعلومات المتوفرة عن الحماية المتبادلة.

5-     يعتقد بأن لكل نوع من الفيروسات وسلالاتها مواقع معينة داخل الخلية نتكاثر فيها وقد يكون عدد هذه المواقع محدد فاذا كانت هذه المواقع مشغولة من قبل فيروسات السلالة الاولى فسوف لن تبقى مواقع لتكاثر السلالة الثانية. بينما هنالك مواقع أخرى للأنواع الأخرى من الفيروسات وعليه فإن إصابة نبات ما بنوع من الفيروسات لايمنع إصابتها بنوع ثاني من الفايروسات الإقتراح بصورة عامة يعالج أو يعلل بعض جوانب ظاهرة الحماية المتبادلة. إلا أنه لايعطي صورة واضحة عن طبيعة المواقع الخاصة لتكاثر الفايروسات، أو عن دور تراكيب الفيروس التي فد تلعب دوراً في التكاثر

6-     وقد أقترح جبز 1969، تعليلاً أخر بالاضافة لما سبق وهو أن الدراسات الحديثة تشير إلى تخصص انزيمات الربلكيز بالنسبة لنوع الفيروس التي تنتجها. عليه يمكن أن يلتصق الحمض النووي لفيروس السلالة الثانية على إنزيم الربلكيز الخاص بالسلالة الاولى بشكل ثابت ويعرقل عمل الانزيم، على إعتبار أن موقع إتصال الحمض النووي على الإنزيم المذكور مشابه وليس مماثل لموقع إتصال السلالة الاصلية التي انتجت الانزيم. غير أن إتصال الحمض النووي للسلالة الثانية على الانزيم لايؤدي الى تكاثره حيث أن هذا الإنزيم متخصص لتكاثر الحمض النووي للسلالة الاولى فقط بينما بالنسبة للفيروسات التي ليس لها صلة قرابة بالفيروس الأول فانها لاتتصل بإنزيم الربلكيز الخاص بالفيروس الأول حيث لايوجد موقع اتصال بالنسبة لها على الانزيم.

(ب)    الإصابة المختلطة بفيروسات مختلفة:

في الفقرة السابقة بينا بعض الظواهر التي تصاحب وجود سلالتين لنفس الفيروس في نفس النبات في آن واحد. أما إذا كانت الاصابة المختلطة متأتية من وجود فيروسين أو أكثر تختلف عن بعضهما البعض فإن ذلك يؤدي إلى ردود فعل مختلفة إذ قد يؤدي وجود فيروس معين إلى زيادة أو نقصان في تركيز الفيروس الثاني في نفس الخلية. أو قد يسبب وجود أحد الفيروسات زيادة أو نقصان في عدد البثرات أو البقع الموضعية التي يسببها الفيروس الثاني، كما قد يغير وجود فيروسين في نبات واحد شدة المرض ونوعية الأعراض التي تظهر على النبات نتيجة للإصابة. وفيما يلي بعض ردود الفعل المعروفة عن هذه الإصابات المختلطة نتيجة للدراسات والبحوث التي أجريت للتعرف على طبيعتها وإيجاد بعض التفاسير لحدوثها.

(1)    تأتير الإصابة المختلطة على تركيز الفيروسات:

تشير الدراسة التي أجراها باودن وكاسانس إلى أن وجود فيروس التنقر الشديد في التبغ يمنع تكاثر فيروس موزاييك الهينبين  وفيروس البطاطا واي في نفس النبات كما وجد بأن تلقيح نبات التبغ بأي من الفيروسين المذكورين مع فيروس الحكة الشديدة لنبات الدخان في آن واحد قد أدى إلى منع تكاثر كلا الفيروسين وتسمى هذه الحالة التضاد Antagonism . وقد أقترح الباحثان بأن تعليل ذلك يعزى إلى تأثير فيروس الحكة الشديدة على العمليات الفسيولوجية داخل الخلية مما يؤدي إلى منع تكوين بعض المواد أو الإنزيمات الضرورية لتكاثر الفايروسين المذكورين, ومن الأمثلة الأخرى في هذا المجال الدراسات التي أجراها روس وزملاءه 1959  على الفيروسات التي تصيب البطاطس  X  و Y في عدوى نبات التبغ. فقد وجد بأن أوراق التبغ الملقحة بكلا الفيروسين في آن واحد يكون تركيز فيروس X  فيها ضعف تركيز الفيروس في أوراق ملقحة بنفس الفيروس لوحده. أما في  الأوراق التي تظهر فيها الإصابة الجهازية في نفس النبات الملقح بالفيروسين فقد بلغ تركيز فيروس X  عشرة أضعاف تركيزه في الأوراق المماثلة في نبات تبغ مصاب بالفيروس X لوحده. وقد علل روس زيادة تركيز أو تصنيع أحد الفيروسات نتيجة لوجود فيروس ثاني في الإصابة المختلطة، إما أن تكون بسبب إحتمال أن الفيروس الثاني يوفر المواد الأولية التي يحتاجها الفيروس الأول، أو يمنع فعل بعض المواد الثانوية التي تصنع في الخلية نتيجة للإصابة بالفيروس الأول، والتي قد تحد من تكاثره. وقد بحث ديميرداغ  وروس 1967 تأثير التوقيت في عدوى أوراق التبغ بالفيروسين المذكورين الواحد بعد الاخر وعلى فترات مختلفة من الوقت، فوجودا بأن العامل المهم لحدوث رد فعل شديد نتيجة لوجود الفيروسين في النبات هو ضرورة وجود الفيروس Y أولاً في النبات ثم العدوى بفيروس X  خلال فترة قصيرة من بدء تكاثر الفيروس الأول.

(2)    تأثير الإصابة المختلطة على عدد البثرات الموضعية التي تسببها الفيروسات:

قد لايكون للإصابة المختلطة بفيروسين مختلفين تأثير لأحدهما على عدد البثرات التي يسببها الفيروس الآخر على نفس النبات، أو قد يسبب أحد الفيروسات زيادة أو نقصان في عدد البثرات التي يسببها الآخر. فقد وجد تومسون  1960 بأنه عند تلقيح نبات بخليط من فيروسات موزاييك التبغ وفيروس التبقع الحلقي الأسود في اللهانة كان عدد البثرات التي سببها الفيروس الأخير 3 بثرات بينما عدد البثرات التي سببها نفس الفيروس لوحده على نفس النبات 38 بثرة وعند إستخدام خليط من فيروس البطاطا واي كان عدد البثرات التي سببها أكثر بينما نفس الفيروس لوحده على نفس النبات سبب 38 بثرة. كما وجد تومسون عكس الحالة عند تلقيح أوراق نبات التبغ بخليط من فيروس البطاطا X  أوفيروس موزاييك التبغ أن عدد البثرات التي يسببها فيروس X  للبطاطا كانت أكثر بكثير مما لو كان الفيروس لوحده على نفس النبات وكذلك حصل على نفس النتيجة عند إستعمال فيروس Y  للبطاطا مع الفيروس X  للبطاطا.

(3)    تأثير الإصابة المختلطة على شدة المرض ونوعية الأعراض:

قد تسبب إصابة النبات بفيروسين مختلفين عن بعضهما البعض في إحداث مرض أشد بكثير من المرض الذي يسببه كلأً من الفيروسين المذكورين لوحدهما على نفس النبات وتسمى هذه الحالة  Synergism  فمثلاً إصابة نباتات البطاطا بخليط من الفيروس إكس والفيروس واي يسبب مرض الموزاييك المتجعد Rugose Mosaic  و يسمى أيضاً Potato crinkle disease  أشد من المرض الذي يسببه أيآً من الفيروسين لوحده ومن الأمثلة الأخرى المعروفة لنفس الحالة مرض Double virus streak  أو يسمى أحيانآً Glass-house streak على نباتات الطماطم والذي يسببه فيروس موزاييك التبغ (السلالة التي تصيب الطماطم) مع فيروس X حيث يكون شديداً إلى درجة قد يقتل النبات المصاب بينما كلاً من الفيروسين لوحده يسبب تبرقشاً خفيفأً في النباتات المصابة.

 

 

العدوى بالفيروسات وحركة الفيروسات داخل النبات

عدوى النباتات بالفيروسات Virus infecton of plant

العدوى هي دخول الفيروس إلى خلية النبات العائل والتكاثر فيها لانتاج جيل جديد من الفايروسات التي قد تبقى في الخلية او تنتقل الى الخلايا الاخرى وان مجرد دخول لفيروس الى الخلية لايعني العدوى الكاملة. وتختلف طبيعة الفيروسات في تكاثرها عن الميكروبات الخلوية التي تتضاعف بانقسام الخلية الناضجة. فمثلاً خلايا البكتريا تكون عادة كاملة في جميع مراحل انقسامها من حيث شكلها وحيويتها كبكتريا بينما نجد الحالة تختلف بالنسبة للفيروسات، حيث انها بعد دخولها إلى خلية العائل تتجزأ كلياً أو جزئياً إلى مكوناتها الأساسية وهي الحامض النووي والبروتين ثم تترجم العوامل الوراثية للفيروس بواسطة جهاز الترجمة الخاص بخلية العائل إلى بروتينات جديدة تتضمنها الانزيمات الضرورية لتكاثر الفيروس. ومن ثم يتم تصنيع الحامض النووي الخاص بالفيروس، ويتحد البروتين الخاص بغلاف الفيروس مع الحامض النووي مكوناً فيروسات جديدة.

لقد كانت دراسة تكاثر فيروسات النبات حتى وقت قريب تجري على اوراق النبات الملقح ميكانيكياً، أو سلخات من بشرة الأوراق، أو أقراص تقطع من الأوراق، أو حتى اوراق منفصلة عن النبات. إلا أن كفاءة هذه الدراسات من حيث دقة النتائج والمعلومات التي توفرها كانت واطئة. ومن العوامل التي كانت السبب في عدم دقة هذه الدراسات نذكر مايلي::

(1)     إن عدد الخلايا التي تحدث فيها العدوى أثناء التلقيح الميكانيكي في الدراسات أعلاه لايتعدى 0.01%  من مجموع خلايا الورقة أو النسيج الملقح. ومن هذه الخلايا تنتشر الاصابة أو العدوى إلى الخلايا الاخرى.

(2)     للحصول على عدوى خلية واحدة في نسيج الورقة بواسطة التلقيح الميكانيكي، يجب أن يحتوي اللقاح المستخدم على 100.000 جسيمة فيروس فعالة على الأقل للخلية الواحدة وحيث أن العدوى لاتحتاج إلا لجسيمة واحدة من الفيروس، فأن البقية الباقية من اللقاح تبقى على سطح النسيج الملقح ولتعذر إزالة هذا اللقاح المتبقي على سطح النسيج فانه يؤثر تاثيراً سلبياً على الدراسات التى تجرى على متابعة العمليات أو الخطوات الاولية للعدوى في النبات لذا فإن التفاصيل الدقيقة لعملية تكاثر فيروسات النبات داخل الخلايا المصابة غير معروفة رغم مرور اكثر من ثمانون عاماً على إكتشاف اول فيروس عام 1886م من قبل ماير. بينما نجد هذه التفاصيل أكثر وضوحاً بالنسبة للفيروسات التي تصيب البكتريا Bacteriophage والفيروسات التي تصيب الفقاريات. والسبب في ذلك بالاضافةإلى العوامل التي سبق ذكرها هو صعوبة التعامل مع خلايا النبات مقارنة بخلايا البكتريا وخلايا الفقاريات. إلا أن الصورة بدأت تتغير في الآونة الاخيرة حيث تمكن العديد من الباحثين من تربية أو زرع فيروسات النبات في بروتوبلاست خلايا بعض النباتات، أو خلايا الكالوس المزروعة في بيئة غذائية(Separated leaf cells) أو في خلايا منفصلة من الاوراق ومزروعة في بيئة غذائية أو في خلايا الحشرات الناقلة للقيروسات وتدل النتائج لهذه الدراسات بان عملية عدوى هذه الخلايا أاكثر كفاءة بكثير من عملية عدوى الورقة الكاملة على النبات حيث وجد بأنه 50% - 90% من الخلايا الملقحة تنجح فيها العدوى، كما وجد بأن تركيز فيروس موزاييك التبغ في البروتوبلاست الواحد يصل إلى مليون جسيمة خلال 24 ساعة بدرجة حرارة 35°م ويؤمل أن تؤدي هذه التطورات إلى كشف النقاب عما لايزال مجهولاً في سلسلة الاحداث التي تؤدي إلى عملية عدوى النبات بالفيروسات. ومع ذلك فأن المعلومات المتوفرة في الوقت الحاضر تشير إلى أن عملية تكاثر الفيروسات في النبات قد لاتختلف عما هي عليه بالنسبة لفيروسات البكتريا والحيوان.

أولاً    دخول الفيروس إلى الخلية:

في الطبيعة تدخل الفيروسات إلى الخلية من خلال جروح دقيقة تحدث إما بواسطة الكائنات الناقلة للفيروسات مثل الحشرات والعناكب، النيماتودا، أو الفطريات أو عن طريق الاحتكاك الذي يحدث بين النباتات المصابة والسليمة بسبب الرياح أو مرور الانسان أو الحيوانات من خلال الحقل. ومن المعروف أن العدوى لاتحدث عند رشق لقاح الفيروس بطريقة هادئة على سطح الورقة النباتية. حيث لابد من جروح معينة تنفذ الفيروسات خلالها إلى الخلية. أما عند إستخدام التلقيح الميكانيكي لعدوى النبات وذلك بمسح سطح الورقة بواسطة مسحوق زجاجي أو قطعة شاش مشبعة بلقاح الفيروس فتحدث العدوى من خلال الجروح التي تتسبب في خلايا البشرة أو الشعيرات نتيجة لمسح سطح الورقة بالمسحوق. ومعروف أيضاً أن معظم هذه الجروح تصبح مقاومة للعدوى خلال ساعة واحدة من حدوثها، ربما بسبب التئامها. وهناك بعض البحوث التي تشير لدور الاكتوديسماتا Ectodesmata وهي بلازموديسماتا Plasmodesmata تحدث في الجدر الخارجية لخلايا بشرة أوراق النبات وهي خيوط بروتوبلازمية تربط بين سيتوبلازم الخلية وطبقة الكيوتكل في دخول الفيوسات إلى خلايا النبات أثناء عملية التلقيح الميكانيكي للورقة غير أن هذه الادلة غير قطعية، حيث أنه لم يمكن رؤيتها في شرائح الأنسجة التي درست بالمجهر الالكتروني، بل كان الاستدلال عليها بواسطة الصبغات المرئية وبالمجهر الضوئي ومن الطرق الاخرى التي يعتقد بأن الفيروسات قد تدخل عن طريقها إلى الخلية هي الشعيرات الموجودة على سطح الاوراق لبعض النباتات كالتبغ والطماطم مثلاً حيث لوحظ بأنه عند جرح شعيرة بطريقة ما تفرز منها قطرة صغيرة جداً من البروتوبلازم التي لاتلبث لحظة حتى تنسحب مرة أخرى إلى خلية الشعيرة دون أن يؤدي هذا الجرح إلى موت الخلية، فاذا كانت جسيمات الفيروس موجودة في منطقة الجرح فانها ستلتصق بقطرة البروتوبلازم وتدخل معها إلى الخلية وفي مجال دور هذه الشعيرات أيضاً يعتقد بأنه عند كسر الشعيرة قرب قاعدتها أثناء التلقيح الميكانيكي يتعرض بروتوبلازم الخلية المكسور إلى لقاح الفيروس فتلتصق بعض جسيمات الفيروس بالبروتوبلازم، ولما كان هذا البروتوبلازم متصل مع خلية القدم Foot cell  للشعيرة بواسطة القنوات البلازمية فمن المحتمل أن تمر الفيروسات من خلال هذه الخيوط إلى خلية القدم حيث تتكاثر وتسبب العدوى.

من المعروف بأن الخلايا تستخدم عملية الالتهام البينوسيتوسز  Pinocytosis في إدخال الجزيئات الكبيرة من المركبات العضوية إلى داخلها . وتحدث عملية البينوسيتوسز هذه بالتصاق جزيئات هذه المركبات على الغشاء الخلوي ويتبع ذلك تكون إنبعاج في الغشاء إلى داخل الخلية ثم تحول هذا الانبعاج إلى مايشبه بالكيس الذي يحتوي بداخله جزيئات المركب، ثم إنفصال الكيس بمحتوياته من الغشاء الخلوي وتحركه إلى داخل الخلية وبالتالي تحلل غشاء الكيس وتحرر جزيئات المركب إلى داخل الخلية. وقد لوحظت عملية الالتهام البينوسيتوسز هذه عند دراسة عدوى خلايا الحيوان بفيروسات شلل الأطفال  Polimylaitis   أما بالنسبة لأهمية هذه العملية في عدوى النبات بالفيروسات فقد لوحظت من قبل كوكنك عام .197 عند دراسته عدوى بروتوبلاست خلايا ثمار الطماطم بفيروس موزائيك التبغ. وفيروس البطاطا إكس، وفيروس موزاييك التبغ وفايروس موزاييك الخيار لعدوى بروتوبلاست خلايا نبات التبغ. وقد لاحظ كوكنك وآخرون فيها بعد بأن مادة Poly-L-Ornithine  تحفز أو تساعد على حدوث عملية الإلتهام البينتوسيتوسز في الغشاء الخلوي لبروتوبلاست الخلايا، وبذلك تزيد من كفاءة عدوى هذه الخلايا بالفيروسات وبعد أن يصل الفيروس إلى داخل خلية النبات العائل باحدى الطرق التي سبق ذكرها تبدأ الخطوة الثانية المهمة جداً في عملية العدوى وهي عملية تكاثر الفيروس داخل الخلية.

ثانياً    تكاثر الفيروسات داخل خلايا النبات العائل

(أ)     نزع الغلاف البروتيني عن الحامض النووي للفيروس

لقد اصبح من المتفق عليه بأن أول خطوة لتكاثر الفيروسات بعد دخولها إلى الخلية هي نزع الغلاف البروتيني عن الحامض النووي. ويعتقد بأن هذه العملية تحدث بصورة تدريجية وذلك بازالة الوحدات البروتينية  Protein subunit من الغلاف بخطوات متعاقبة. ونظراً لعدم إحتواء فيروسات النبات على إنزيمات فان عملية نزع الغلاف البروتيني تتم بمساعدة خلية النبات العائل في سيتوبلازم الخلية.

(ب)    تكاثر الحمض النووي للفيروس

إن معظم التجارب والدراسات في هذا المجال اجريت على بعض فيروسات البكتريا من مجموعة الرايبوفاج مثل  QB, MS2, R17  وبعض فيروسات الحيوان من مجموعة البكورنا  Picornaviruses  مثل  Encephalomyocarditis,  Polioviruses وهي جميعاً من الفيروسات التي تتكون عواملها الوراثية من RNA  أحادي السلسلة. أما بالنسبة الى فيروسات النبات فقد تركزت الدراسات على فيروس موزاييك التبغ TMV وهو أيضاً من الفيروسات التي تكون العوامل الوراثية فيه من نوع  RNA احادي السلسلة.

ونظراً لكون العوامل الوراثية لمعظم فيروسات النبات هي من نوع  RNA الاحادي الخيط أيضاً، عليه نلخص فيما يلي الخطوات والمعلومات المتوفرة عن تكاثر الحمض النووي لهذا النوع من  الفايروسات في خلايا العائل:

1-     ترجمة العوامل الوراثية على جزء معين من الحمض النووي التي تؤدي الى تضيع الانزيمات الخاصة بتكاثر الحمض النووي وأهمها RNA Replicase .

2-     إستنساخ خيطى  سالب يسمى بالخيط الشقيق السالب Minus complementary strand  على خيط الحمض النووي الكامل للفيروس الذي يسمى عادة بالخيط الموجب +RNA بمساعدة الانزيم RNA Replicase وربما إنزيمات وعوامل مساعدة أخرى  ونتيجة لذلك يتكون RNA   ثنائي الخيط احدهما الحمض النووي الاصلي للفيروس +RNA والثاني هو الخيط الشقيق -RNA  ويطلق على هذين الخيطين معاً الشكل التناسخي Replicative form RNA (RF)  .

3-     يتفصل خيطا الشكل التناسخي RF عن بعضهما، ويعمل الخيط السالب -RNA  كقالب Template  لانتاج العديد من الخيوط الموجبة +RNA عليه بمساعدة الانزيمات وبذلك يتم تكاتر الحمض النووي للفيروس. أما موقع العمليات الكيمائية المذكورة أعلاه داخل خلية العائل تختلف من فيروس لآخر فبالنسبة لفيروس موارييك التبغ TMV  تشير التجارب بأن موقع تكاثر الحمض النووي هو النواة وبصورة خاصة النوية. كما تشير هذه التجارب بأن الحمض النووي الذي يصنع في النوية ينقل إلى السايتوبلازم.

(ج)    تصنيع البروتينات الخاصة بالفايروسات:

تصنيع بروتينات الفيروسات في الخلية المصابة بواسطة رايبوسومات الخلية التي تقوم بترجمة المعلومات الخاصة بنوعية البروتين من جزء معين من الحمض النووي للفيروس، وهذه العمليات لاتختلف في الأساس عن عملية تصنيع البروتين في خلايا النبات إلا أنه من المعروف بأن داخل الخلية النباتية هنالك أكثر من موقع واحد لتصنيع البروتينات منها السايتوبلازم والكلوروبلاست والميتوكوندريا وكل من هذه المواقع توجد رايبوسومات خاصة بها تمثل الهيكل الأساسي لجهاز تصنيع البروتينات ويستدل من التجارب التي أجراها العلماء بأن عملية تصنيع أو تمثيل البروتينات الخاصة بالفا يروسات سواء منها البروتينات الخاصة بالغلاف البروتيني أو الانزيمات تصنع في السيتوبلازم. والدلالة على ذلك هو أنه يمكن تثبيط أو منع تصنيع هذه البروتينات عند إستخدام السايكلوهيكسمايد وهو مضاد حيوي يمنع تصنيع البروتينات بواسطة رايبوسومات السيتوبلازم، بينما لايمنع تصنيع هذه البروتينات المضاد الحيوي كلورامفينيكول الذي يثبط أو يمنع تصنيع البروتينات بواسطة الرايبوسومات الخاصة بالكلوروبلاست أو المايتوكوندريا.

(د)     تركيب وتجميع البروتين مع الحامض النووي للفيروس

لازالت الطريقة التي تتجمع وتتحد فيها اجزاء الفيروس المصنعة (البروتين والحامض النووي) داخل الخلية لتكوين فيروسات متكاملة غيرمعروفة بالتحديد. إلا أنه يستدل من المعلومات التي سبق ذكرها بأن الاجزاء المصنعة لفيروس موزاييك التبغ تتجمع في السيتوبلازم، كما هو معروف أيضاً أن جسيمات الفيروس المتكاملة تتجمع أيضاً في السيتوبلازم. وقد أقترح أن الكيفية التي يتم فيها اتحاد الحامض النووي والوحدات البروتينية لهذا الفيروس هو ان تتحد مجموعة من الوحدات البروتينية لتكوين قرص ثم يتحد او يتفاعل هذا القرص مع قواعد النيوكليوتيدات في إحدى نهايتي الحمض النووي للفيروس وهذا الاتحاد يحول قرص الوحدات البروتينية الى دورتي حلزونيتين حول الحمض النووي وتستمر هذه العملية باندماج او اضافة اقراص أخرى بصورة متتالية إلى القرص الاول، وهكذا حتى يتم تغليف الحامض النووي باكمله وتنتج جسيمات فيروس متكاملة.

1-              دخول الفيروس إلى خلية العائل.

2-               تحرر الحمض النووي للفيروس من الغلاف البروتيني

3-      ترجمة الجزء الخاص من العوامل الوراثية للفيروس الذي يؤدي إلى تصنيع الانزيمات الضرورية لتكاثر الحمض النووي للفيروس مثل إنزيم Replicase

4-      إستنساخ خيط سالب -RNA على الخيط الموجب +RNA  وهو الحمض النووي للفيروس، بمساعدة الانزيمات التي سبق ذكرها في الخطوة السابقة وتكون RNA  ثنائي السلسلة.

5-     إنفصال الخيطين السالب والموجب عن بعضهما واستخدام الخيط السالب كقالب لاستنساخ العديد من الخيوط الموجبة عليه. وكل من هذه الخيوط الموجبة هو الحمض النووي الجديد للفيروس.

6-     ترجمة الجزء الخاص بالغلاف البروتيني على الحمض النووي للفيروس بواسطة رايبوسومات الخلية وتصنيع وحدات الغلاف البروتيني.

7-              إتحاد وحدات الغلاف البروتيني مع الحمض النووي الجديد وتكوين فيروسات متكاملة.

حركة الفيروسات داخل النبات المصاب:

بعد دخول الفايروسات الى خلية النبات العائل لابد لها من الانتقال الى مواقع تكاثرها داخل الخلية وبعد تكاثرها داخل الخلية تنتقل منها الى الخلايا المجاورة ثم من هذه الخلايا تنتشر إلى مختلف أجزاء النبات مسببة الإصابة أو العدوى الجهازية وعليه يمكن تقسيم حركة الفيروسات داخل النبات المصاب إلى ثلاثة أنواع هي:

(أ)     حركة الفيروسات داخل الخلية الواحدة.

تتحرك الفايروسات الكاملة أو بعض مكوناتها المصنعة في الخلية مثل الحمض النووي أو الغلاف البروتيني، داخل الخلية المصابة مع حركة السيتوبلازم وقد وجد بأن بعض الفيروسات الكروية تنقل من السايتوبلازم إلى النواة من خلال فتحات موجودة على الغشاء النووي تحت تأثير الضغط الانتشاري الذي يتكون في السايتوبلازم.

(ب)    حركة الفيروسات من خلية إلى أخرى

إن الكيفية التي تنتقل بها العوامل المعدية من خلية إلى إخرى غير معروفة بصورة دقيقة إلا أنه بالنظر لعدم امتلاك الفيروسات القدرة على الحركة الذاتية فلابد أن يكون لحركة السايتوبلازم دوراً مهماً في هذه الحركة، كما قد يكون ذلك مدعوماً بفعل الانتشار. إن الشكل الذي تتحرك به الفيروسات أو العوامل المعدية غير معروف أيضاً غير أنه من المعروف بأن كلاً من الفيروسات المتكاملة أو الحمض النووي بمفرده لها القدرة على إحداث العدوى لذا قد يكون أيأً من هذين العاملين هو الشكل الذي تتحرك به العوامل المعدية من خلية إلى أخرى وقد يضاف الى ذلك عامل ثالث وهو الخيط السالب من الحمض النووي وعلى هذا يمكن القول بأن الفيروسات أو العوامل المعدية الاخرى تحمل بواسطة السيتوبلازم من خلية الى أخرى من خلال القنوات السيتوبلازمية Plasmodesmata  التي تربط الخلايا المجاورة مع بعضها البعض.

وتتغاير أبعاد البلازموديسماتا باختلاف النباتات، وباختلاف الانسجة ضمن نفس النبات. وقد وجد بأن أقطارها في خلايا اوراق التبغ الحديثة النمو تتراوح بين 20-200 نانومتر وذلك يكفي لمرور معظم الفيروسات.

(ج)    حركة الفيروسات في الأوعية الناقلة:

إن أول من أكد حركة  الفيروسات لمسافات طويلة داخل النبات المصاب كان ساموئيل حيث قام بتجربته المشهورة التي اجراها في عام 1934م على نباتات الطماطم مستخدماً فيروس موزاييك التبغ  ولقح ساموئيل وريقة طرفية واحدة من كل من مجموعة نباتات الطماطم وتابع إنتشار الاصابة في النبات بتوقيت معين وذلك بأخذ نباتات ملقحة بعد كل فترة من الوقت وتقطيعها الى قطع، ثم تحضين كل من تلك القطع بدرجة حرارة مناسبة لغرض زيادة تركيز أي فيروس موجود في تلك القطع. ومن ثم تلقيح نباتات كاشفة بعصير كل قطعة من تلك القطع للوقوف على وجود أو عدم وجود الفيروس فيها واستخلص من تلك التجربة أن الفيروس يتحرك ببطء في الورقة  الملقحة، ومنها الى اوعية اللحاء حيث يتحرك بسرعة إلى الجذور، ثم الاوراق الحديثة النمو في القمة النامية، ثم منها إلى بقية أجزاء النبات كما هو موضح في الشكل. وقد لاحظ ساموئيل أنه اذا لقح نباتات طماطم  صغيرة العمر تنتقل الاصابة الى جميع الاوراق بعد وقت قصير من ظهورها على الاوراق الحديثة النمو بينما في النباتات الاكبر عمراً تنشر الاصابة الى الاوراق المسنة حتى بعد مرور بضعة أشهر على تلقيح النبات إضافة إلى ماسبق ذكره هنالك العديد من التجارب التي تبرهن على حركة الفيروسات داخل أوعية اللحاء منها التجارب التي قام بها بنيت وكالدويل 1931م والدراسات التي أجراها إيسو باستخدام المجهر الإلكتروني حيث صورت فيروس اصفرار البنجر السكري داخل أوعية اللحاء وجسيمات فيروس موزاييك التبغ في أوعية اللحاء في نبات التبغ. إن حركة الفيروسات داخل أوعية اللحاء تكون سريعة نسبيا وقد سجل بنيت 1940.م بأن فيروس موزاييك التبغ يتحرك بسرعة حوالي 1.5 سم/ساعة، وسرعة 2.5 مم/دقيقة لفيروس إلتفاف قمة البنجر السكرى

إن حركة الفيروسات داخل أوعية اللحاء لاتعتمد على تركيز الفيروس في هذه الاوعية بل تعتمد بالدرجة الاولى على حركة المواد الكربوهيدراتية في تلك الأوعية يمكن توجيه حركة الفيروسات في النبات من جزء إلى آخر ببعض العمليات، فمثلاً بأزالة الاوراق من جزء من النبات يوجه حركة الفيروسات إلى ذلك الجزء، أو وضع بعض أوراق النبات في الظلام له نفس التأثير رغم أن غالبية الفيروسات تتحرك داخل أوعية اللحاء الا ان هنالك بعض الفيروسات التي تتحرك داخل أوعية الخشب. إن شكل وطبيعة العوامل المعدية التي تتحرك في أوعية اللحاء او الخشب غير معروفة إلا أن مشاهدة جسيمات بعض الفايروسات داخل اوعية اللحاء تشير الى احتمال حركة تلك الفيروسات داخل اوعية اللحاء بشكل جسيمات متكاملة.

 

 

 

 المحاضــرة التالية

   المحاضرة الخامسة

   المحاضرة الرابعة

   المحاضرة الثالثة

   المحاضرة الثانية

   المحاضرة التاسعة

   المحاضرة الثامنة

   المحاضرة السابعة

   المحاضرة السادسة

   الصفحة الرئيسية

المقـررات الدراسية

المحاضرة الحادية عشر

   المحاضرة العاشرة