©CROONING OF EVERY MONTH
الشاعر السويدي الكبير توماس ترانسترومير:
واحد من الشعراء الأكثر تفرداً وأهمية في عصرنا
Tomas Transtromer
نوفمبر
2004
ترجمة وتقديم : علاء الدين رمضان

في مساء الاثنين 27/9/2004 في مدينة مالمو بجنوب السويد أقيمت في قاعة Villa Ravenna مسائية احتفالية بالشاعر السويدي الكبير توماس ترانسترومير Tomas Transtromer حضرها عدد من الأدباء والفنانين والصحفيين والمثقفين السويديين والعرب، وأدارتها انّا ملركارد Anna Mellergard.
وتوماس ترانسترومير يُعدُّ أكثر شعراء السويد الأحياء أهمية وبروزاً . وهو أيضاً عالم نفسي محترف ، يطلقون عليه في السويد 'الشاعر الصقر' ؛ لأنه يرى العالم من علٍ ، في بعد صوفي شفيف؛ لكنه يجلب كُلّ تفاصيل العالم الطبيعي إلى بؤرته الحادّة؛ تُرجمت أعماله إلى ثلاثين لغة، من بينها الإنجليزية والهنغارية والهولندية وقد كان من أبرز المرشحين لجائزة نوبل هذا العام..؛ قال عنه الشاعر جوزيف برودسكي أنه "شاعر من الطراز الأول". وقال الشاعر ديريك والكوت:"يتعين على الأكاديمية السويدية أن لا تتردد في منح ترانسترومير جائزة نوبل". ووصفته لجنة جائزة نيستردات العالمية، وجان كابلينسكي؛ بأنه "واحد من الشعراء الأكثر تفرداً وأهمية في عصرنا"..؛ يعيش ترانسترومير حالياً في فاستيراس Vasteras، التي تبعد حوالي أربعين ميلاً إلى الغرب من استوكهولم مع زوجته مونيكا.
بدأت الاحتفالية بعزف على آلة البيانو قام بها توماس ترانسترومير على الرغم من صعوبة حركته ( إذ كان قد تعرض للشلل قبل عدة سنوات ).
وتضمنت الأمسية قراءات لقصائده قام بها مجموعة من الشباب والشابات السويديين، وعزفاً على آلة الكمان والناي. ثم تلت الشاعرة الصينية أكسياؤني وانج Wang Xiaoni قصائده المترجمة إلى الصينية وتلاها الشاعر العراقي عدنان الصائغ بقراءة كلمة صغيرة قال فيها:
"مرتين ، التقيت هذا الشاعر الكبير المدهش توماس ترانسترومير، الأولى في قاعة المرايا - بمسرح هيب في مالمو عام 1999، واليوم ألتقيه وأياكم ، ويا لها من مصادفة مدهشة أخرى أن تصلني في هذا اليوم بالذات 29/7 أعمالي الشعرية الصادرة في بيروت. وكنتُ قد كتبتُ في مقدمتها شيئاً عن الشاعر ترانسترومير ، وذكرتُ نصه الذي يقول :

"جئتُ لألتقي ذلك الذي يرفع فانوسه
لكي يرى نفسه فيَّ..."
وأضاف الشاعر العراقي عدنان الصائغ قائلاً : "سأقرأ اليوم قصيدتين من ديوانه الصادر بالعربية " ليل على سفر"؛ الذي قام بترجمته صديقي الشاعر علي ناصر كنانة ". ثم قرأ الصائغ القصيدتين وهما " بريد جوي "، و" بطاقات سوداء "؛ وقد قرأ ترجمة الكلمة إلى السويدية بيكا ملركارد Pekka Mellergard مع قراءة نص القصيدتين بلغتهما الأصلية .
وفي ختام الحفل غَنَّتْ كارولين فورباكن Caroline Furbachen ؛ ثم نهضت مونيكا Monika زوجة الشاعر ترانسترومير ، لتنقل نيابة عنه كلمات الامتنان والحبور بالأمسية والقراءات والمعزوفات الموسيقية ، ومن بين ما نقلت عنه قوله : " في هذا الوضع العصيب الذي يمر به العراق فإن من الجميل والعظيم أن نرى ونسمع أن الشعر لما يزال حياً ومتوهجاً في العراق ؛ أنها قوة التحدي" .
وننقل هنا إلى العربية أربع قصائد حديثة من شعر ترانسترومير ( إبريل والصمت )، و( الوقواق )، و( مزين بالشموس )، ثم ( جندول الحزن ) .


أبريل والصمت

الأكاذيب الربيعية هاجرت .
والجدول المخملي الداكن
يزحف بجانبي
لا يعكس أي شيء .

كُلّ هذا البريق
كان زهوراً صفراء .

أنا محمول في ظِلِّي
مثل كمان
في غلافه الأسود .

كل ما أريد أن قول
ومضات بعيدة المنال
مثل الفضة
في محل الرهانات .
 


الوقواق

وقواقٌ حَطَّ وصاح فوق شجر البتولا شمال البيت .
صوته كان قوي جداً بحيث اعتقدتُ - في باديء الأمر - أنه مغني أوبرا يؤدي مقلداً صوت وقواق .
فاجأني أن رأيت الطائر ، يهزُّ ريشَ ذيلِهِ لأعلى وأسفل مع كل نبرة ، مثل مقبض مضخّة على بئر . الطائر قفز ، دار حول نفسه وصاح عبر كل الجهات الأربع ؛
ثم ارتفع للهواء وطيّر اللَعْنَةَ تحته فوق البيت ، وابتعد نحو الغرب ...
الصيف يطعن في السن وكُل شيء يتدفق ثانية نحو الوحدة ..
همسٌ كئيبٌ ، الهمس السوداوي ، يَعُودُ غناؤه إلى مداراته ، هذا وقته في السويد ..
قد انتهى ، إنه لم يكن طويلاً ! ، ففي واقع الأمر ، الوقواق مواطن من زائير...
أنا لست أشد ولوعاً بالسفر ؛ لكنه يزورني السفرُ ،
الآن هذا أنا أحثه بعيداً ليأتي ، الآن تلك الحلقات الحولية تتسع وأنا أحتاج نظارات قراءة ،
دائماً .. ما الذي يحدث أكثر من أننا يمكن أن نفوز ! ؛
ليس هناك شيء ليُدهش منه .
هذه الأفكار تحملني فقط بإخلاص ،
كما حُمِل جسم سوزي وشوما ليفينجستون المُحَنَّطَان مباشرة خلال أفريقيا .
 


مُزَيَّنٌ بالشموس

تنـزلق الشمسُ للخارج من وراء البيت
المنصَّاتُ في منتصف الشارع
وفوقنا ينتثر
برائحته الحمراء .
إيننسبروك أنا يجب أن أغادركِ .
لكن غداً
ستكون هناك شمسٌ مستعرة
في الغابة الرمادية شبه الميتة
حيث سنعمل ونعيش .
 


جندول الحزن ( * )

I

رجلان عجوزان وعم وصهر ، ليسزت وفاجنر ،
ظَلاَّ على قناة جراند معاً ، مَع المرأة القلقة التي تزوجت الملك ميداس
هو الذي يدير كل شيء، يحرك مشاعرها نحو فاجنر.
قشعريرة البحر الخضراء، تندفع خلال طوابق القصر.
فاجنر رجل مشهور ، البئر تعرف سيرة حياة كاسبر ، كانت أكثر كَدّاً قبل ذلك ..
وجهُهُ عَلَمٌ أبيضُ .
إنّ الجندولَ مثقل بشحنات حياتهم ،
دورتا الرحلة الذهاب والإياب، وواحدة أحادية الاتجاه.

II

نافذة في القصر تَفْتحها الأعاصيرُ ،
يُقَطِّبُون في الانسحاب المفاجئ .
في الخارج فوق الماء ،
يظهر الجندول ، سابحاً
بوساطة قاطعي طريق أحدهما يجدف .
ليسزت أعدَّ بضعة نغمات ثقيلة جداً ،
إنها يحسن أن تُرْسَل إلى معهد علوم المعادن في بادوا للتحليل
النيازكُ!
ثقيلة جداً على الراحة، إنها قادرة على الغرق وحسب،
والغرق خلال المستقبل
كل الطرق تنـزل إلى عام القمصان السمراء .
إنّ الجندول بصعوبة محمَّل بأحجار المستقبل المكدسة

III

افتتاحيات قبيل 1990 .

25 من مارس : قلق حول ليتوانيا .
حُلماً أنا زُرتُ مستشفى كبيرة .
لا موظّفين . كُلّ الناس مرضى .

في الحلم نفسه مولودة جديدة
إنها تَتكلّم بجمل كاملة .

IV

قَارن صهره ، رجل عصره ، ليسزت
إقطاعي مستبد .
إنها قناع .
العمق الذي يختبر وينبذ الأقنعة المُخْتَلِفة اختارت
فقط هذا لَهُ —
العُمق الذي يُريدُ الاِنْضِمام إلى البشر بدون عرض وجهِه .

V

آبِّي ليسزت معتاد أن يَحْمل أمتعته خلال المطر الثلجي وشروقِ الشمس
وعندما يجيء الوقت للموت لن يكون أحد هناك
لمقابلته في المحطة .
نسيم فاتر من الكونياك المبذول تماماً يحمله بعيداً ..
في غمرة مهمة .
هو أَبَداً خال من المهام .
ألفا رسالة في العام !
تلميذ المدرسة الذي يكتب الكلمة الخطأ في التهجئة مائة مرة
قبل أن يسمح له بالذهاب إلى البيت .
إنّ الجندولَ في وهنٍ محمَّلٌ بالحياة، هو بسيط وأسود.

VI

عُدْ إلى 1990.
حلماً أنا قدت مسافة مائة ميل دون جدوى .
آنذاك كل شيء كان مضخماً . عصافير كبيرة كالدجاج
غردت لذلك انفجرت أذناي .

حلمت أنّني سحبت مفاتيح البيانو
فوق منضدة المطبخ . لعبت عليها ، صامتاً .
جاء الجيران ليستمعوا .

VII

لوحة المفاتيح التي كَانتْ صامتة خلال كُلّ محفل
( لكنها كانت تستمع )
أخيراً اعتزمت قول شيء .
تنهدات... ولهفة ...
عندما يعزف ليسزت اللّيلة يختبيء أسفل قاع البحر لذلك
قوة البحر الخضراء
تتصاعد خلال الأرضية والفيضان معاً مع كُلّ أحجار البناية .
مساء طيب .. عمق جميل !
إنّ الجندولَ بصعوبة .. محمل بالحياة ، هو بسيط وأسود..

VIII

حلمت أنني كنت أستهلُ المدرسة لكني جِئت متأخراً .
كُلّ شخص في الغرفة ارتدى أقنعةً بيضاء .
كان مستحيلاً القول من كان المعلّم .

--------------
هامشان :
*- قصيدة جندول الحزن : أثناء أواخر 1882 ومطلع 1883 ليسزت زار ابنته كوسيما وزوجها ريتشارد فاجنر؛ ثم شهور قليلة بعدها، فاجنر ماتَ. وقطعتا ليسزت للبيانو سميتا Trauer-Gondel ( جندول الحزن ) قد ألِّفتا في ذلك الوقت .
*- نص كلمة الشاعر عدنان الصائغ منقولة عن رسالة خاصة منه، والقصائد من ترجمة علاء الدين رمضان.


نشرت الترجمة  بالعدد 236 السنة الخامسة ؛ من صحيفة القاهرة - بتاريخ الثلاثاء 5 من رمضان1425هـ الموافق 19 من أكتوبر2004م، ص: 19.


أرشيف غابة الدندنة

علاء الدين رمضان  *   Alauddin Ramadan

صديق محبتكم
علاء الدين رمضان
  alauddineg@yahoo.com

أعدني للبدء

2004

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12

غابة الدندنة :: كل شهر
©CROONING OF EVERY MONTH
By EDITOR ; ALAUDDIN RAMADAN