المركز المصرى الاجتماعى الديمقراطى

من أجل إصلاح  اجتماعى و اقتصادى و ديمقراطى جذرى للواقع المصرى

*********************************************************

الصفحة الرئيسية
قراءات
كتابات لأعضاء المركز
بيانات ومواقف المركز
أخبار و أنشطة المركز
مواقع أخرى
المراسلات

 

         مسألة الدستور  د. محمد السيد سعيد

مقدمة:

يوقع التسلط السياسى نفسه فى مصيدة سياسية ودستورية واضحة. فرئيس الدولة يختار أعضاء مجلس الشعب عمليا والأخيرون يختارونه شكليا. ولا علاقة للشعب أو المجتمع بالقضية برمتها. وهذا هو المعنى الأعمق للنظام التسلطى. فهو –تعريفا- النظام الذى تتولد فيه السلطة من السلطة ولا تمر عملية التوليد – أو الإنتاج – هذه بالمجتمع حتى من الناحية الشكلية البحتة. فعادة ما لا يراعى حتى الشكل (أى الاستفتاءات).

ولا شك أنه آن الأوان – بل كان قد أن منذ أمد بعيد- لوقف تلك الدورة المفرغة والتى قد تنتج وضعا يصعب على أى مجتمع - حديث كان أو تقليدي- التعايش معه وخاصة فى ظل حقيقة أن الرئيس الذى يحتكر الفضاء السياسى كله وفقا للدستور يجدد ولايته بدون حد أقصى زمنيا. ومن المحتمل للغاية كما حدث فى بلاد عربية أخرى أن يصبح الرئيس طاعنا فى السن وعاجز عمليا عن أداء وظائفه الدستورية والسياسية ويصبح من المستحيل وضع نهاية لهذا الوضع بدون انقلاب سياسى ودستورى كما حدث فى تونس مثلا عام 1987. وحتى بدون إثارة قضية الديموقراطية والحريات العامة ومبدأ سيادة الشعب يستحيل أن يستمر الدستور الحالى – دستور 1971- بدون تعديلات جذرية.

وغنى عن القول بأنه صار هناك ما يشبه الإجماع بين العناصر المفكرة والحية فى الأمة على أن الديموقراطية هى الخلاص الوحيد من الأزمة المجتمعية الخانقة. وأن الدستور الحالى بعيد كل البعد عن الوفاء بالحد الأدنى من ضمانات الانتقال الديموقراطى السلمى.

والواقع أننا نستطيع أن نؤكد أيضا أن الديموقراطية ليست ضرورة مؤقتة أو انها الاستجابة السليمة لمشكلات أو استعصاءات مرحلة ما ولتكن المرحلة التى بدأت بعد 1952 فقط بل هى فى الواقع الحل السليم ولو من الناحية الشكلية البحتة لإشكالية الحكم التى اتخذت مظاهر مختلفة طوال التاريخ القديم والوسيط والحديث بما فى ذلك  حقبة الحضارة العربية الإسلامية. فهذه المنطقة عرفت أنظمة توالى أو خلافة سياسية متعددة ولكنها جميعا اتسمت بالدور الساحق للعنف ومن ثم للانقلاب العسكرى. فالانقلاب العسكرى ليست ظاهرة حديثة فى تاريخ هذه المنطقة بل هى ظاهرة تاريخية حقبية أو هى ربما ظاهرة عابرة للتاريخ.

ان مبدأ سيادة الشعب وهو المبدأ الحاكم للفكر الدستورى الحديث والمرتبط بنشأة الدولة القومية لا يحل كل معضلات الحكم أو المحكومية. ولكنه ينشأ قاعدة ذهبية متفوقة بالضرورة على كل القواعد التاريخية التى حكمت التوالى (أو الخلافة) السياسية.

فكأن المطلوب الآن هو:

أولاً : وضع ضمانات قوية للديموقراطية والحريات العامة فى الدستور باعتباره أبو القوانين .

ثانياً :  انتقال حاسم بعيدا عن عملية اغتصاب أو التوريث الجزافى للسلطة العامة من خلال دستور يتسم بالوضوح والتوازن الذى يميز النظم الديموقراطية الحديثة.

وثالثاً : وأخيرا فان المطلوب هو وضع دستور يتجنب تأبيد الاحتكار السياسى أو بالأحرى تأبيد مهمة ممارسة السلطات العامة. 

وبالمقابل فان عملية وضع دستور جديد فى هذه اللحظة الحرجة من تاريخ الأمة المصرية تبدو محفوفة بالصعوبات بل والمخاطر أيضا. فالنظام السياسى الراهن وأصحاب الامتيازات فيه لن يسلموا بهذا الاستحقاق بسهولة. وهم يرفضون مجرد مناقشة حتى أمور أبسط كثيرا مثل إنهاء العمل بالأحكام العرفية والقوانين الاستثنائية. غير أن الأهم هو حالة المجتمع نفسه على الأقل فيما يتعلق بهذه القضية. فالاهتمام بالقضية الدستورية فى أدنى مستوياته منذ بدء الدولة الحديثة فى مصر. ولا تكاد كلمة الدستور ترد فى أطنان المواد المكتوبة أو الأدبيات التى أنتجتها النخبة المصرية خلال العقدين الماضيين. ولا تكاد القضايا الدستورية بما فيها تلك الأشد وضوحا تلفت نظر أحد خارج العدد المحدود من فقهاء القانون. والاتجاهات السياسية الكبرى مشغولة أساسا بالمناظرات الفكرية والأيديولوجية وكذلك بمضمون السياسات أو التوجهات الكلية للسياسة. ويفترض فى هذه المناقشات أن قضية تنظيم السلطة العامة فى المجتمع أو القضية الأم وهى استحقاقات ممارسة السلطة العامة هى  مسألة تابعة للقضايا الأيديولوجية.

ويرى كثير من الناس أن إنتاج دستور جديد فى هذه اللحظة المتفسخة من تاريخنا السياسى قد يؤدى إلى مخاطر جمة ليس أقلها الهيمنة شبه التامة للأيديولوجية الدينية السياسية على الطبقة الوسطى. وفوق ذلك وربما أهم أن المجتمع لم يراكم خبرة سياسية أو نضالية حرة فيما يتعلق بالشأن الدستورى. فلا يكاد يوجد نضال دستورى يمكن البناء عليه وتتويجه من خلال عملية وضع دستور جديد وهى أرقى العمليات السياسية فى أى مجتمع بلا مراء. بل ان المجتمع لم يحسم المناقشات الكبرى الخاصة بمستقبله كأمة أو هويته وذاتيته التاريخية ولم يبن تراضيا كافيا حول أبسط القضايا السياسية الكبرى.

ومع ذلك فان الشعور بالمأزق يبدو مع ذلك شديد الحدة. وحتى لو كانت الشروط الذاتية الضرورية لوضع دستور جديد ضامرة أو غير مستوفاة فلا مناص من الاعتراف بأن الضرورة الموضوعية لإنقاذ بلادنا سياسيا وقانونيا ساحقة إلى الدرجة التى تجعل انتظار نمو الشروط الذاتية أمرا أقرب إلى الانتحار الجماعى حتى بدون افتراض تجمع نذر المخاطر الخارجية كما نشهد الآن وبصورة غير مسبوقة منذ الاحتلال البريطانى لمصر.

ويبدو الشعور بالمأزق مركزا حول قضية فرعية وهى قضية التوريث.

ونحن – على عكس كثيرين- نراها بوضوح قضية فرعية لأنها رغم جسامتها بذاتها من وجهة نظر التراث الجمهورى ليست غير فرعا من قضية أعمق وهى غياب مبدأ سيادة الشعب وهو المرجعية الوحيدة التى تضمن عدم التوريث. فالاختلاف الوحيد لن يكون بين التوريث وغيرة بل بين توريث الابن كما هو معروف فى النظم الملكية (أو بالأخرى بعضها) وتوريث الزملاء من العسكريين كما هو معروف فى النظم العسكرية والبوليسية.

وأعتقد أنه لا يجوز أن تشغلنا القضية الفرعية عن القضية الحقيقية. ذلك أنه لو استمر الوضع الراهن سيكون التوريث حتميا سواء تم فى ظل الرئيس الحالى أو أى رئيس بعده. فالاقتدار على ذلك قائم والضعف عن مواجهته بقوة المجتمع والشعب واضح.

ويتسم الوعى بالقضية فى اللحظة الراهنة بقدر كبير من التهافت من زاوية أخرى. فقد اقتصر هذا الوعى على مطلب محدود وفرعى ولا يحل المشاكل العميقة فى بنية النظام الدستورى الراهن: أى المطالبة بانتخاب رئيس الجمهورية بين أكثر من مرشح. فهذه فى الواقع أيضا قضية فرعية وشعار خاطئ لأسباب كثيرة. فالانتخابات والاستفتاءات العامة فى ظل النظام السياسى والدستورى الراهن حتى لو كانت تعددية لن تكون متكافئة. إذ لا تكافؤ بين سلطة مستقرة لعشرات السنين وأى قادم جديد من خارج المجال الحيوى للبيروقراطية الأمنية والعسكرية. والأهم أن من غير المتصور أن تباشر تلك السلطة عملية تنظيم تلك الانتخابات بصورة نزيهة.

وبينما قد لا يمكن تجنب رفع مثل تلك المطالب الجزئية التى لا تحل المشكلة وربما تعيقها فان بث وعى دستورى شامل ومنسجم باتت مسألة حاسمة سواء فى التاريخ الفكرى أو السياسى للبلاد.

ويؤكد هذا الوعى أن البلاد صارت فى حاجة ماسة لدستور جديد. ويصبح السؤال هو أى دستور جديد: أو دستور لبناء أى نظام سياسى!

 

لا شك أن إجابة القوى الديموقراطية يجب أن تكون هى بناء نظام سياسى ديموقراطى. ويعنى ذلك من الناحية الشكلية عددا من الأمور:

أولا: النظام السياسى يجب أن يؤسس على قاعدة التمثيل أى الانتخابات الحرة النزيهة على كل مستويات السلطة.

ثانيا: النظام السياسى يجب أن يتيح فضاءا عريضا للمشاركة الشعبية المباشرة من خلال إعادة توزيع السلطة العامة بحيث يحظى المستوى المحلى بمساحة عريضة فى هذا الفضاء. أن تقريب السلطة للناس هو الطريقة الوحيدة الممكنة الآن للتعلم والاختيار والتمكين وتحمل المسئولية المباشرة للاختيارات والتوجهات والسياسات. والبديل عن ذلك هو استمرار الأمية السياسية والاقتصادية وبقاء مجال واسع للانفصال بين الحاكم والمحكوم والجهل بالظروف الحقيقية التى تعيشها البلاد من ناحية وللاحتكار السياسى من ناحية أخرى. فالتمركز المتطرف للسلطة يهمش الناس ويضاعف جهلها بالواقع وبمتطلبات النهوض السياسى والاجتماعى والاقتصادى. كما أنه يتحيز لصالح النخب المقتدرة ماليا أو تنظيميا أو سياسيا وعلى حساب مبدأ المساواة فى الفرص ودور الشعب.

ثالثا: النظام السياسى يجب أن يضمن نشر السلطة لا على المستويات الجغرافية فحسب بل وفيما بين فروعها أيضا. ويعنى ذلك دور قوى للبرلمان والقضاء وإنهاء احتكار السلطة التنفيذية لكل فضاء السلطة.

ورابعا: النظام السياسى المطلوب يجب أن يؤمن الحريات العامة بصورة قوية من الناحية الدستورية والفعلية وينهى تبعية المؤسسات المدنية وخاصة النقابات للسلطة التنفيذية.

وخامسا: يجب أن يؤسس النظام السياسى بحيث يضمن قدر الإمكان حماية الديموقراطية من خصومها الذين قد يتولون السلطة عن طريق الانتخابات العامة.

 

ولا يبدو أن هناك حل دستورى بسيط يجمع كل هذه الشروط ويحققها معا وخاصة على ضوء الأوضاع الخطيرة التى تشهدها المنطقة والمجتمع المصرى ذاته. وقد يمكن حل هذه المعضلة إذا وقر فى أذهاننا أن الدستور المقترح قد لا يكون بالضرورة على هيئة الدستور الدائم. فالصيغة الدستورية يمكن بل ويجب أن تتأقلم مع المعطيات والضرورات الكبرى التى تحكم حركة مجتمع معين مثل مجتمعنا دون أن يجترح أيا من الشروط الأساسية التى أشرنا إليها هنا. وقد تكون صيغة النظام السياسى فى تركيا مناسبا لنا أيضا.

ونعنى بذلك التمييز بين وظيفة السيادة ووظيفة الحكم. فتقع ممارسة وظيفة السيادة فى مؤسسة مثل مجلس سيادة يتكون من عدد محدود من الشخصيات بحكم مناصبها المهنية فى مؤسستى الجيش والقضاء بصورة خاصة وشخصيات منتخبة على المستوى القومى فيكون لها ثقل خاص باعتبارها ممثلة للأمة ككل. أما وظيفة الحكم فتكون لسلطة تنفيذية منتخبة بالاقتراع الحر المباشر فى انتخابات تعددية ويراقبها برلمان له سلطات حقيقية. وبالتالى يجمع الدستور – الذى هو فى الجوهر انتقالى- بين ملامح من النظامين البرلمانى والرئاسى ويكون التوازن فى الأحوال الاعتيادية لصالح مبدأ التمثيل وفى الأحوال الطارئة أو الخطيرة لصالح مبدأ السيادة. ويضمن هذا الحل تجنب وقوع انقلابات سياسية أو عسكرية أو دستورية إذا ما ثبت أن الانتخابات العامة تأتى بقوى قد تلغى الديموقراطية والحقوق العامة. 

 

 

         نحو رؤية يسارية للمسألة الديمقراطية     سامر سليمان

         المنتدى الاجتماعي الأوروبي

          مشروع لتحديث مصر    عادل العمرى

         دعوة للحوار   سامر سليمان

        إتحاد للشغيلة المصريين - دعوة للتأمل و التفكر  حمدى حسين

       التنظيم النقابى ... و الخيارات المطروحة  حمدى حسين

اوراق مطوية بعناية فائقةالى د:عزت عبد العظيم شعر :سعيد ابو طالب (جديد)

الموناليزا تراود عبد الباسط عبد الصمد  شعر:سعيد ابو طالب(جديد)

المجلس القومي لحقوق الإنسان  موقفنا(جديد)

إعلان عن نتائج الاجتماع التشاورىنحو تأسيس المنتدى الاجتماعى المصرى(جديد)

  العولمة ورقة للحوار  سامح كمال

  قضاة مصر يدينون العدوان الأمريكي على العراق  زكريا أحمد عبد العزيز

        حركة ديموقراطية المعيشة  بدائل إفلاس العولمة  فاندانا شيفا

        مسودة مشروع الإصلاح الدستورى فى مصر    عبد الخالق فاروق

         النظام المصري لم يعد يصلح لمصر في القرن الواحد و العشرين  مطلوب جبهة من المصريين         من أجل تغيير جذري  هويدا طه

         المنتدى الاجتماعى العالمى لماذا   ناعوم شومسكى

         الوهن السياسى فقدان المناعة السياسية المكتسبة    د. عبد المنعم عبيد

 

 


 

 

       

 

 

 

 

 

للاتصال بالمركز

35 شارع الشبخ على يوسف ـ الدور الثالث ـ شقة 33ـ قصر العينى ـ القاهرة

البريد الإلكترونى sdegc@yahoo.com

تليفون 7943586

جميع الحقوق محفوظة للمؤلفين ومحظور الاقتباس منها دون الإشارة لمؤلفيها

 بعض المواد المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف و رأى المركز